فإني نسيت أن أخبرك بخبر الحوت ونسب النسيان لنفسه لأن موسى كان نائمًا إذ ذاك، وكره يوشع أن يوقظه ونسي أن يعلمه بعد لما قدره الله تعالى عليهما من الخطى.
ومن كتبت عليه خطى مشاها.
(وما أنسانيه) أي وما أنساني ذكره (إلا الشيطان أن أذكره) نسبه للشيطان تأدّبًا مع الباري تعالى إذ نسبة النقص للنفس والشيطان أليق بمقام الأدب (واتخذ سبيله في البحر عجبًا) يجوز أن يكون عجبًا مفعولًا ثانيًا لاتّخذ أي واتّخذ سبيله في البحر سبيلًا عجبًا وهو كونه كالسرب والجار والمجرور متعلق باتّخذ وفاعل اتخذ قيل الحوت وقيل موسى أي اتخذ موسى سبيل الحوت في البحر عجبًا (قال فكان) دخول الحوت في الماء (للحوت سربًا) مسلكًا (ولموسى ولفتاه عجبًا) وهو أن أثره بقي إلى حيث سار أو جمد الماء تحته أو صار صخرًا أو ضرب بذنبه فصار المكان يبسًا وعند ابن أبي حاتم من طريق قتادة قال: عجب موسى أن تسرب حوت مملح في مكتل (فقال موسى) ليوشع (ذلك) الذي ذكرته من حياة الحوت ودخوله في البحر (ما كنا نبغي) أي الذي نطلبه إذ هو آية على المطلوب (فارتدا على آثارهما قصصًا قال رجعا) في الطريق الذي جاءا فيه (يقصان آثارهما) قصصًا أي يتبعان آثار سيرهما اتباعًا. قال صاحب الكشف فيما حكاه الطيبي عنه قصصًا مصدر لفعل مضمر يدل عليه فارتدا على آثارهما إذ معنى فارتدا على آثارهما واقتصا الأثر واحد (حتى انتهيا إلى الصخرة) أي التي فعل فيها الحوت ما فعل كما عند النسائي في روايته فذهبا يلتمسان الخضر (فإذا رجل) نائم (مسجّى ثوبًا) بضم الميم وفتح المهملة وتشديد الجيم منوّنة ولأبي ذر عن
الكشميهني بثوب أي مغطى كله به، ولمسلم مسجى ثوبًا مستلقيًا على القفا ولعبد بن حميد من طريق أبي العالية فوجده نائمًا في جزيرة من جزائر البحر ملتفًا بكساء (فسلّم عليه موسى فقال الخضر) أي بعد أن كشف وجهه كما في الرواية الآتية هنا إن شاء الله تعالى (وأني) بفتح الهمزة والنون المشدّدة أي وكيف (بأرضك السلام) وفي الرواية الآتية وهل بأرضي من سلام وفيه دلالة على أن أهل تلك الأرض لم يكونوا مسلمين أو كانت تحيتهم غيره (قال أنا موسى) في الآتية قال: من أنت؟ قال: أنا موسى (قال): أي الخضر أنت (موسى بني إسرائيل قال): أي موسى (نعم أتيتك لتعلمني) وفي الرواية الآتية قال: ما شأنك؟ قال: جئت لتعلمني (مما علمت رشدًا) قال أبو البقاء: رشدًا مفعول لتعلمني ولا يجوز أن يكون مفعول علمت لأنه لا عائد إذن على الموصول أي علمًا ذا رشد (قال): أي الخضر لموسى (إنك لن تستطيع معي صبرًا) نفى عنه استطاعة الصبر معه على وجوه من التأكيد وهو علة لمنعه من اتّباعه فإن موسى ﵊ لما قال هل أتبعك على أن تعلمني كأنه قال: لا لأنك لن تستطيع معي صبرًا وعبّر بالصيغة الدالة على استمرار النفي لما أطلعه الله عليه من أن موسى لا يصبر على ترك الإنكار إذا رأى ما يخالف الشرع لمكان عصمته. قال الخضر ﵊:(يا موسى إني على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه) جميعه (أنت وأنت على علم من علم الله علمك الله) ولأبي ذر عن الكشميهني علمكه الله (لا أعلمه) جميعه وهذا التقدير أو نحوه واجب لا بدّ منه، وقد غفل بعضهم عن ذلك فقال في مجموع له لطيف في الخصائص النبوية أن من خصائص نبينا ﷺ أنه جمعت له الشريعة والحقيقة ولم يكن للأنبياء إلا إحداهما بدليل قصة موسى مع الخضر، وقوله: إني على علم لا ينبغي لك أن تعلمه وأنت على علم لا ينبغي لي أن أعلمه وهذا الذي قاله يلزم منه خلوّ أولي العزم عليهم الصلاة والسلام غير نبينا من علم الحقيقة الذي لا ينبغي خلو بعض آحاد الأولياء عنه وإخلاء الخضر ﵊ من علم الشريعة الذي لا يجوز لآحاد المكلفين الخلوّ عنه، وهذا لا يخفى ما فيه من الخطر العظيم، واحتج لذلك بقوله: إنه أراد الجمع في الحكم والقضاء تمسكًا بحديث السارق في زمنه ﷺ قال اقتلوه فقيل: إنما