واستمرّت هذه الأمّة على هذا النهج، والتزمت عقيدة ثابتة صافية، حتى طرأ عليها ما يسمى (علم الكلام) الذي يقصد به إثبات العقائد الدينية بالأدلّة العقلية والمقاييس المنطقية. حدث هذا الأمر في القرن الثاني الهجري تقريبًا حينما تُرجمت كتب الفلسفة اليونانية إلى اللغة العربية في بلاد المسلمين، وشاعت في أيديهم، فدخل على المسلمين من هذا الباب شر عظيم وبلاء مبين، وانفتح باب الجدل في أمور العقيدة، وكثر الاختلاف بين المسلمين، وأخذ أصحاب الأهواء مخالفو أهل السنة مقدمات عقلية من الفلاسفة فأدخلوها في مباحثهم، وبنوا عليها قواعد بدعهم، فاتّسع الخرق على الراقع، واشتبه الحق بالباطل. وعند ذلك هبّ أئمة أهل السنة وعلماؤها لإيضاح الحق ودفع الباطل، وأنكروا الكلام وذمّوه، ونهوا عن الخوض فيه، وحكموا بتجهيل أصحابه وتضليلهم، ودعوا الناس إلى الالتزام بالمنهج السلفي الأصيل، ونبذ ما عداه من المحدثات والبدع. وعلى هذا النحو سار علماء أهل السنّة وأئمّة أهل الملّة إظهارًا للحق وأداء لواجب النصيحة. وقد أفرد بعض علماء أهل السنّة مصنفات خاصة في هذا الموضوع. ومن أبرز الكتب المصنّفة في ذلك وأجمعها "ذم الكلام وأهله" لأبي إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري الهروي المتوفى سنة (٤٨١ هـ). وإذا تأملنا الأسباب التي دعت السلف الصالح رحمهم الله تعالى إلى ذمّ الكلام - من =