للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وصحّة الصلاة في غير وقتها، وأطال البحث في ذلك واختار ما ذكره داود ومن معه والأمر كما ذكره، فإنّي لم أقف مع البحث الشديد للموجبين للقضاء على العامد وهم من عدا من ذكرنا على دليل ينفق في سوق المناظرة، ويصلح للتعويل عليه في مثل هذا الأصل العظيم إلا حديث: "فدَين الله أحق أن يقضى" (١)، باعتبار ما يقتضيه اسم الجنس المضاف من العموم، ولكنهم لم يرفعوا إليه رأسًا، وأنهض ما جاءوا به في هذا المقام قولهم: إن الأحاديث الواردة بوجوب [القضاء] (٢) على الناسي يستفاد من مفهوم خطابها وجوب القضاء على العامد؛ لأنها من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى، فتدلّ بفحوى الخطاب وقياس الأولى على المطلوب وهذا مردود؛ لأن القائل بأن العامد لا يقضي لم يرد أنه أخفّ حالًا من الناسي، بل صرّح بأن المانع من وجوب القضاء على العامد أنه لا يسقط الإثم عنه فلا فائدة فيه، فيكون إثباته مع عدم النص عبثًا، بخلاف الناسي والنائم فقد أمرهما الشارع بذلك وصرّح بأن القضاء كفارة لهما لا كفارة لهما سواه.

ومن جملة حججهم أن قوله في الحديث: "لا كفارة لها إلَّا ذلك"، يدلّ على أن العامد مراد بالحديث لأن النائم والناسي لا إثم عليهما، قالوا: فالمراد بالناسي التارك سواء كان عن ذهول أم لا. ومنه قوله تعالى: ﴿نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ﴾ (٣)، وقوله تعالى: ﴿نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ﴾ (٤)، ولا يخفى عليك أن هذا الكلام يستلزم عدم وجوب القضاء على الناسي والنائم لعدم الإثم الذي جعلوا الكفارة منوطة به والأحاديث الصحيحة قد صرّحت بوجوب ذلك عليهما، وقد استضعف الحافظ في الفتح (٥) هذا الاستدلال، وقال: الكفارة قد تكون عن الخطأ كما تكون عن العمد، على أنه قد قيل: إن المراد بالكفارة هي الإتيان بها تنبيهًا على أنه لا يكفي مجرد التوبة والاستغفار من دون فعل لها.

وقد أنصف ابن دقيق العيد فردّ جميع ما تشبثوا به، والمحتاج إلى إمعان النظر ما ذكرنا لك سابقًا من عموم حديث: "فدين الله أحق أن يقضى" (١)،


(١) أخرجه البخاري رقم (١٩٥٣)، ومسلم رقم (١١٤٨) من حديث ابن عباس.
(٢) في (ب): (القاضي).
(٣) سورة التوبة، الآية (٦٧).
(٤) سورة الحشر، الآية (١٩)
(٥) (٢/ ٧١).

<<  <  ج: ص:  >  >>