للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مغلوبًا إلَّا قولَ ابن عباسٍ فيما أعلمُ فانظرْ أيُّها المنصِفُ هل يصلُحُ جعلُهُ جِسْرًا تُذَادُ عنهُ الأحاديثُ الورادةُ في تحريمِ مطلقِ الحريرِ ومقيدِهِ، وهل ينبغي التعويلُ عليه في مثلِ هذا الأصلِ العظيمِ معَ ما في إسنادِهِ مِنَ الضعفِ الذي يوجب سقُوطَ الاستدلالِ بهِ على فرضِ تجرُّدِهِ عن المعارِضَاتِ، فرحِمَ اللهُ ابنَ دقيقِ العيدِ فلقد حفظ اللهُ به في هذه المسألةِ أمةَ نبيهِ عن الإِجماع على الخطأِ، [ويمكنُ أن يقالَ: أن خَصِيفًا المذكور في إسنادِ الحديثِ قد وثَّقَهُ مَنْ تقدَّمَ (١)، واعتضَدَ الحديثُ بورودِهِ من جهينِ آخريْنِ أحدُهما صحيحٌ (١)، والآخَرُ حسنٌ (٢) كما سلفَ فانتهضَ الحديثُ للاحتجاجِ بِه (٣)] (٤).

فإن قلتَ قد صرَّحَ الحافظُ ابنُ حجرٍ أنَّ عمدَة الجمهورِ في جوازِ لُبْسِ ما خالطَهُ الحرير إذا كان غيرُ الحرير أغلبَ ما وقعَ في تفسير الحلَّةِ السيراءِ قلتُ: ليس في أحاديثِ الحلَّةِ السيراءِ ما يدلُّ على أنها حلالٌ بل جميعُها قاضيةٌ بالمنعِ منها كما في حديثِ عمر (٥) وعلي (٦) وغيرِهما مما سلف، فإن فُسرتْ بالثياب المخلوطةِ بالحرير كما قالَ جمهورُ أهلِ اللغةِ كانت حجَّة على الجمهورِ لا لهم وإن فسرت بأنها الحريرُ الخالِصُ فأيُّ دليلٍ فيها على جوازِ لُبْسِ المخلوطِ؟ وهكذا إن فسِّرت بسائرِ التفاسيرِ المتقدِّمةِ.

والحاصلُ أنه لم يأتِ المدَّعُونَ للحلِّ بشيءٍ تركَنُ النفسُ إليه وغايةُ ما جادلوا به أنه قولُ الجمهور، وهذا أمرٌ هَيِّنٌ، والحقُّ لا يُعرفُ بالرجالِ.

وأما دعوى الإجماع التي ذكرها صاحب البحر (٧) فما هي بأوَّلِ دعاويْهِ على


(١) قلت: بل خصيف لم ينفرد به ولكنه توبع عند أحمد (١/ ٣١٣) والحاكم (٤/ ١٩٢) بسند صحيح على شرط الشيخين كما تقدم في شرح الحديث رقم (١٣/ ٥٥٦) من كتابنا هذا.
(٢) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير رقم (١١٩٣٩) والبيهقي في "الشعب" رقم (٦١٠٣).
بسند حسن كما تقدم أيضًا.
(٣) نعم انتهض الحديث للنهي عن الثوب المصْمَت حريرًا. أما الزيادة: "فأمَّا العلم من الحرير وسدى الثوب، فلا بأس به" فهي ضعيفة لم تصح كما تقدم كذلك.
(٤) زيادة من (أ) و (ب).
(٥) حديث صحيح تقدم تخريجه خلال شرح الحديث رقم (١٢/ ٥٥٥) من كتابنا هذا.
(٦) حديث علي صحيح تقدم تخريجه خلال شرح الحديث رقم (١٣/ ٥٥٦) من كتابنا هذا.
وخلال شرح الحديث رقم (١٢/ ٥٥٥) من كتابنا هذا أيضًا.
(٧) (٤/ ٣٥٦) وقد تقدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>