(٢) السنة المتواترة: قد تكون "قولية" وقد تكون "فعلية" والأولى قليلة، والثانية كثيرة، وهي نوعان: "لفظي" و"معنوي". فاللفظي هو: ما اتفق رواته في لفظه - ولو حكمًا - وفي معناه، وذلك كحديث: "من كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار" -. والمعنوي هو: ما اختلفوا في لفظه ومعناه مع رجوعه لمعنى كليٍّ، وذلك بأن يخبروا عن وقائع مختلفة تشترك كلها في أمر واحد، فالأمر المشترك المتفق عليه بين الكل هو المتواتر، فمنه أحاديث رفع اليدين في الدعاء، فقد روى عنه ﷺ نحو مئة حديث فيه رفع يديه في الدعاء، لكنها في قضايا مختلفة، فكل قضية منها لم تتواتر، والقدر المشترك فيها، وهو الرفع عند الدعاء تواتر باعتبار المجموع. [انظر كتابي "مدخل إرشاد الأمة إلى فقه الكتاب والسنة" ص ٦٢ - ٦٣]. (٣) سنة الآحاد تشمل كل أمر من أمور الدين، لا فرق بين ما كان منه، عقيدة علمية، أو حكمًا عمليًا، أو غير ذلك، فكما كان يجب على كل صحابي أن يؤمن بذلك كله حين يبلغه من النبي ﷺ، أو من صحابي آخر عنه كان يجب كذلك على التابعي حين يبلغه عن الصحابي، فكما لا يجوز للصحابي مثلًا أن يرد حديث النبي ﷺ إذا كان في العقيدة بحجة أنه خبر آحاد سمعه من صحابي مثله عنه ﷺ. فكذلك لا يجوز لمن بعده أن يرده بالحجة نفسها ما دام أن المخبر به ثقة عنده، وهكذا ينبغي أن يستمر الأمر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وقد كان الأمر كذلك في عهد التابعين والأئمة المجتهدين. أخرج البخاري رقم (١٤٢٥) ومسلم رقم (١٩) وغيرهما عن ابن عباس ﵄ قال: قال رسول الله ﷺ لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: "إنك ستأتي قومًا أهلَ كتاب، فإذا جئتهم فادعُهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله. فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في كلِّ يوم وليلةٍ، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أنَّ الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم. واتَّقِ دعوةَ المظلوم فإنه ليس بينه وبين اللهِ حجاب". وفي هذا الحديث استدلال قوي لثبوت خبر الواحد حتى في العقائد من فعله ﷺ، لأن =