إن حديث صفية ﵂ فيه قول النبي ﷺ لها لما رآها تعد التسبيح بالنوى: (ما هذا؟) وهذا استنكار لفعلها، كأنه على غير المعهود في التشريع، فهو إنكار له، ولذا دَلَّها ﷺ على التسبيح المشروع، كدلالته ﷺ للمستغفرين على سيد الاستغفار. فلا دلالة فيه لمستدل على جواز التسبيح بالحصى، أو النوى. وإن حديث سعد بن أبي وقاص ﵁ فيه لما رأى ﷺ المرأة تسبح بنواة، أو حصاة، قال: (ألا أخبرك بما هو أيسر عليك من هذا وأفضل … ). وهذا أسلوب عربي معروف تأتي فيه صيغة أفعل على غير بابها، كما في قول الله - تعالى - عن نعيم أهل الجنة: ﴿أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا (٢٤)﴾ [الفرقان: (٢٤)]. فإنها من باب استعمال أفعل التفضيل فيما ليس في الطرف الآخر منه شيء؛ لأنه لا خير في مقيل أهل النار، ومستقرهم، كقوله: ﴿ءَاللَّهُ خَيْرُ أَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [النمل: ٥٩]- تفسير السعدي (٢/ ١٩٠) -. وبهذا التقرير لمعنى هذين الحديثين - على فرض صحتهما - يظهر بجلاء عدم صحة استدلال من استدل بهما على جواز التسبيح بالحصى أو النوى. واللَّه أعلم) اهـ. (٢) قال السيوطي في (المنحة) (٢/ ٢): (وفي جزء هلال الحفار، ومعجم الصحابة للبغوي، وتاريخ ابن عساكر من طريق معتمر بن سليمان، عن أبي بن كعب، عن جده بقية عن أبي صفية مولى النبي ﷺ .. فذكره). وقال السيوطي في (المنحة) (٢/ ٢) أيضًا: (وأخرجه الإمام أحمد في الزهد ثنا عفان ثنا عبد الواحد بن زياد عن يونس بن عبيد عن أمه قالت: رأيت أبا صفية - رجل من أصحاب النبي ﷺ وكان جارنا - قالت: فكان يسبح بالحصى) اهـ. وأم يونس بن عبيد مستورة، وقد قال الحافظ في نزهة النظر ص (١٠٠)، وقد قبل رواية المستور جماعة بغير قيد، وردها الجمهور والتحقيق أنَّ رواية المستور ونحوه مما فيه الاحتمال لا يُطلق القول بردِّها ولا بقبولها، بل يقال: هي موقوفةٌ إلى استبانة حاله، وصححه تلميذه الحافظ السخاوي في (فتح المغيث) (١/ ٣٠٠). وقال الدكتور بكر أبو زيد في (تصحيح الدعاء) ص (١٥٣): (وعن أبي صفية مولى النبي ﷺ من فعله ﵁ رواه أحمد في الزهد، والعلل - وفي سنده جهالة) اهـ.