للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقد ورد التصريح بالنهي في رواية أنس (١) المذكورة في الباب عن السبق بالركوع والسجود والقيام والقعود.

وقد اختلف في معنى الوعيد المذكور، فقيل: يحتمل أن يرجع ذلك إلى أمر معنوي، فإن الحمار موصوف بالبلادة فاستعير هذا المعنى للجاهل بما يجب عليه من فرض الصلاة ومتابعة الإمام، ويرجح هذا المجاز أن التحويل لم يقع مع كثرة الفاعلين، لكن ليس في الحديث ما يدلّ على أن ذلك يقع ولا بدّ، وإنما يدلّ على كون فاعله متعرّضًا لذلك، ولا يلزم من التعزض لبشيء وقوعه، وقيل: هو على ظاهره إذ لا مانع من جواز وقوع ذلك.

وقد وردت أحاديث كثيرة تدلّ على جواز وقوع المسخ في هذه الأمة (٢).

وأما ما ورد من الأدلة القاضية برفع المسخ عنها فهو المسخ العامّ (٣).


= وقال الشوكاني في إرشاد الفحول (ص ٣٨٨) بتحقيقي: "أن كل نهي من غير فرق بين العبادات والمعاملات يقتضي تحريم المنهي عنه وفساده، المرادف للبطلان اقتضاءً شرعيا، ولا يخرج عن ذلك إلا ما قام الدليل على عدم اقتضائه لذلك فيكون هذا الدليل قرينةً صارفةً له من معناه الحقيقي إلى معناه المجازي. هذا إذا كان النهي عن الشيء لذاته أو لجزئه الذي لا يتم إلا به يقتضي فساده في جميع الأحوال والأزمنة. أما النهي عنه للوصف الملازم يقتضي فساده ما دام ذلك الوصف والنهي عنه. أما النهي عنه لوصف مفارق أو لأمر خارج يقتضي النهي عنه عند إيقاعه متصفًا بذلك الوصف، وعند عدم إيقاعه في ذلك الأمر الخارج عنه لأن النهي عن إيقاعه مقيدًا بهما، يستلزم فساده ما دام قيدًا له".
[انظر مزيد تفصيل في: البحر المحيط (٢/ ٤٥٠ - ٤٥٢) وأصول السرخسى (١/ ٨١ - ٨٥)].
(١) تقدم برقم (١٠٥٣) من كتابنا هذا.
(٢) منها حديث أبي مالك الأشعري أنه سمع النبي يقول: "ليكوننَّ من أمتي أقوام يستحلُّونَ الحِرَ والحريرَ والخمر والمعازف، ولينزلِنَّ أقوام إلى جَنب عَلم يَروحُ عليهم بسارحة لهم، يأتيهم - يعني الفقير - لحاجة فيقولوا: ارجع إلينا غدًا فيُبَيِّتُهُم الله، ويَضع العَلمَ، ويمسخ آخرين قردةً وخنازير إلى يوم القيامة".
أخرجه البخاري في صحيحه (١٠/ ٥١ رقم ٥٥٩٠) بصيغة الجزم.
قلت: وانظر الكلام عليه بالتفصيل في "الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني" (١٠/ ٥٢١٠ - ٥٢١٨) بتحقيقي.
(٣) انظر: فتح الباري (٨/ ٢٩١ - ٢٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>