وكُلُّ ذلك جار على قواعد الشرع وهو محضُ القياس، فإن الثواب حقُّ العامل، فإذا وهبه لأخيه المسلم، لم يمنع من ذلك، كما لم يُمنع من هبة ماله له في حياته وإبرائه له منه بعد وفاته. وقد نبَّه الشارعُ بوصول ثواب الصوم وعلى وصول ثواب القراءة ونحوها من العبادات البدنية، يوضحُهُ: أن الصومَ كفُّ النفس عن المفطرات بالنية، ونص الشارع على وصول ثوابه إلى الميت، فكيف بالقراءة التي هي عملٌ ونية؟. • وأما الجواب عما استدلوا به من قوله تعالى: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (٣٩)﴾ [النجم: ٣٩]، قد أجاب العلماء بأجوبة أصحها جوابان: (أحدهما): أن الإنسان بسعيه وحُسنِ عشرته اكتسب الأصدقاءَ وأولدَ الأولاد، ونكح الأزواج، وأسدى الخير، وتودَّد إلى الناس، فترحَّموا عليه، ودعوا له، وأهدوا له ثوابَ الطاعات، فكان ذلك أثرَ سعيه، بل دخولُ المسلم مع جملةِ المسلمين في عَقْدِ الإسلام من أعظم الأسباب في وصول نفع كلٍّ من المسلمين إلى صاحبه، في حياته وبعد مماته، ودعوة المسلمين تحيطُ من ورائهم. يُوضحه: أن الله تعالى جعل الإيمان سببًا لانتفاع صاحبه بدُعاء إخوانه من المؤمنين وسعيهم، فإذا أتى به، فقد سعى في السبب الذي يُوصلُ إليه ذلك. (الثاني): وهو أقوى منه - أنَّ القرآن لم ينفِ انتفاعَ الرجلِ بسعي غيره، وإنما نفى مِلْكه لغير سعيه، وبينَ الأمرين من الفرق ما لا يخفى، فأخبر تعالى أنه لا يملكُ إلا سعيه، وأما سعي غيره، فهو ملكٌ لساعيه فإن شاء أن يبذله لغيره وإن شاء أن يبقيَهُ لنفسه. وقوله سبحانه: ﴿أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (٣٨) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (٣٩)﴾ [النجم: ٣٨ - ٣٩] آيتان محكمتان تقتضيان عدل الرب تعالى: فالأولى: تقتضي أنه لا يُعاقِبُ أحدًا بجرم غيره، ولا يؤاخذ بجريرة غيره، كما يفعله ملوك الدنيا. والثانية: تقتضي أنه لا يُفلحُ إلا بعمله، ليقطعَ طمعه من نجاته بعمل آبائه وسلَفِه ومشايخه، كما عليه أصحاب الطمع الكاذب، وهو سبحانه لم يقل: لا ينتفع إلا بما يسعى. وكذلك قوله تعالى: ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ﴾ [البقرة: ٢٨٦] وقوله: ﴿وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [يسَ: ٥٤]، على أن سياق هذه الآية يدل على أن المنفي عقوبَةُ العبد بعمل غيره، فإنه تعالى قال: ﴿فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٥٤)﴾. =