للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال: وهذا أعدل المذاهب وأشبهها بموافقة الأحاديث الصحيحة، ولكن المشهور عن أحمد (١) أن التمتع أفضل مطلقًا.

وقد احتج القائلون بأن القران أفضل بحجج: (منها) أن الله اختاره لنبيه.

(ومنها) أن قوله : "دخلت العمرة في الحجّ إلى يوم القيامة" (٢)، يقتضي أنها قد صارت جزءًا منه أو كالجزء الداخل فيه بحيث لا يفصل بينها وبينه ولا يكون ذلك إلا مع القران.

(ومنها) أن النسك الذي اشتمل على سَوق الهدي أفضل.

واستدلّ من قال: بأن التمتع أفضل بما اتفق عليه من حديث جابر وغيره أن النبيّ قال: "لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولجعلتها عمرة" (٣)، قالوا: ورسول الله لا يتمنى إلا الأفضل، واستمراره في القران إنما كان لاضطرار السَّوق إليه وهذا هو الحقّ، فإنه لا يظن أن نسكًا أفضل من نسك اختاره لأفضل الخلق وخير القرون.

وأما ما قيل من أنه إنما قال كذلك تطييبًا لقلوب أصحابه لحزنهم على فوات موافقته ففاسد، لأن المقام مقام تشريع للعباد، وهو لا يجوز عليه أن يخبر بما يدل على أن ما فعلوه من التمتع أفضل مما استمرّ عليه من القران والأمر على خلاف ذلك، وهل هذا إلا تغرير يتعالى عنه مقام النبوة؟

وبالجملة لم يوجد في شيء من الأحاديث ما يدل على أن بعض الأنواع أفضل من بعض غير هذا الحديث، فالتمسك به متعين، ولا ينبغي أن يلتفت إلى غيره من المرجحات فإنها في مقابلته ضائعة.

واحتج من قال بأن الإِفراد أفضل أن الخلفاء الراشدين أفردوا الحجّ وواظبوا على إفراده، فلو لم يكن أفضل لم يواظبوا عليه، وبأن الإِفراد لا يجب فيه دم.


(١) في "المغني" (٥/ ٨٢).
(٢) سيأتي تخريجه برقم (١٨٥٢) من كتابنا هذا.
(٣) أخرجه البخاري رقم (١٥٦٨) ومسلم رقم (١٤٢/ ١٢١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>