للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وجوب الدم قالوا: لأن قوله (ولا حرج) يقتضي رفع الإثم والفدية معًا؛ لأن المراد بنفي الحرج نفي الضيق وإيجاب أحدهما فيه ضيق، وأيضا لو كان الدم واجبًا لبيَّنه ؛ لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز. وبهذا يندفع ما قاله الطحاوي (١) من أن الرخصة مختصة بمن كان جاهلًا أو ناسيًا لا من كان عامدا فعليه الفدية.

قال الطبري (٢): لم يسقط النبي الحرج إلا وقد أجزأ الفعل إذ لو لم يجزئ لأمره بالإعادة؛ لأن الجهل والنسيان لا يضعان غير إثم الحكم الذي يلزمه في الحج كما لو ترك الرمي ونحوه فإنه لا يأثم بتركه ناسيًا أو جاهلًا لكن يجب عليه الإعادة.

قال (٣): والعجب ممن يحمل قوله: (ولا حرجٍ) على نفي الإثم فقط ثم يخص ذلك ببعض الأمور دون بعض، فإن كان الترتيب واجبًا يجب بتركه دم فليكن في الجميع وإلا فما وجه تخصيص بعض دون بعض مع تعميم الشارع الجميع بنفي الحرج، انتهى.

وذهب بعضهم إلى تخصيص الرخصة بالناسي والجاهل دون العامد، واستدل على ذلك بقوله في حديث ابن عمرو (٤): فما سمعته يومئذٍ يسئل عن أمر ينسى أو يجهل، إلخ، وبقوله في رواية للشيخين (٥) من حديثه: "أن رجلا قال له : أشعر فنحرت قبد أن أرمي فقال: ارم ولا حرج".

وذهب أحمد (٦) إلى التخصيص المذكور كما حكى ذلك عنه الأثرم.

وقد قوى ذلك ابن دقيق العيد (٧) فقال: ما قاله أحمد قويّ من جهة أن الدليل دل على وجوب اتباع الرسول في الحج بقوله: "خذوا عني مناسككم" (٨).


(١) في شرح معاني الآثار (٢/ ٢٣٧).
(٢) حكاه عنه الحافظ في "الفتح" (٣/ ٥٧١).
(٣) أي الطبري كما في المرجع السابق.
(٤) تقدم برقم (٢٠٢٥) من كتابنا هذا.
(٥) البخاري رقم (١٧٣٤) ومسلم رقم (٣٣٤/ ١٣٠٧).
(٦) المغني (٥/ ٣٢٢).
(٧) في إحكام الأحكام (٣/ ٧٩).
(٨) وهو حديث صحيح تقدم مرارًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>