للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ويؤيد هذا إذنه لما سأله عن أجرة الحجامة أن يطعم منها ناضحه ورقيقه، ولو كانت حرامًا لما جاز الانتفاع بها بحال.

ومن أهل هذا القول من زعم أن النهي منسوخ، وجنح إلى ذلك الطحاوي (١)، وقد عرفت أن صحة النسخ متوقفة على العلم بتأخر الناسخ وعدم - إمكان الجمع بوجه، والأول غير ممكن هنا.

والثاني ممكن بحمل النهي على كراهة التنزيه بقرينة إذنه بالانتفاع بها - في بعض المنافع، وبإعطائه الأجر لمن حجمه، ولو كان حرامًا لما مكنه منه.

ويمكن أن يحمل النهي عن كسب الحجام على ما يكتسبه من بيع الدم، فقد كانوا في الجاهلية يأكلونه ولا يبعد أن يشتروه للأكل فيكون ثمنه حرامًا، ولكن الجمع بهذا الوجه بعيد، فيتعين المصير إلى الجمع بالوجه الأول، ويبقى الإشكال في صحة إطلاق اسم [الخُبْثِ] (٢) والسُّحْتِ على المكروه تنزيهًا.

قال في القاموس (٣): الخبيث: ضد الطيب، وقال (٤): السحت بالضم وبضمتين: الحرام، أو ما خبث من المكاسب فلزم عنه العار، انتهى.

وهذا يدل على جواز إطلاق اسم الخبث والسحت على المكاسب الدنيئة وإن لم تكن محرمة، والحجامة كذلك فيزول الإشكال.

وجمع ابن العربي (٥) بين الأحاديث بأن محل الجواز إذا كانت الأجرة على عمل معلوم، ومحل الزجر على ما إذا كانت على عمل مجهول.

وحكى صاحب الفتح (٦) عن أحمد (٧) وجماعة الفرق بين الحر والعبد، فكرهوا للحر الاحتراف بالحجامة وقالوا: يحرم عليه الإنفاق على نفسه منها،


(١) في شرح معاني الآثار (٤/ ١٣١).
(٢) في المخطوط (أ): (الخبيث).
(٣) القاموس المحيط ص ٢١٥.
(٤) أي: الفيروز آبادي في القاموس المحيط ص ١٩٦.
(٥) في عارضة الأحوذي (٥/ ٢٧٦ - ٢٧٧).
(٦) الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (٤/ ٤٥٩).
(٧) في المغني (٨/ ١١٩ - ١٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>