للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأما دعوى اختصاصه بالزيادة على الأربع فهو محلّ النزاع ولم يقم عليه دليل (١). وأما قوله تعالى: ﴿مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ﴾ (٢) فالواو فيه للجمع لا للتخيير.

وأيضًا لفظ: مثنى، معدول به عن اثنين اثنين (٣)، وهو يدلّ على تناول ما كان متصفًا من الأعداد بصفة الاثنينية وإن كان في غاية الكثرة البالغة إلى ما فوق الألوف، فإنك تقول: جاءني القوم مثنى: أي اثنين اثنين، وهكذا ثلاث ورباع، وهذا معلومٌ في لغة العرب لا يشكُّ فيه أحدٌ، فالآية المذكورة تدلُّ بأصل الوضع على أنه يجوز للإنسان أن يتزوَّج من النساء اثنتين اثنتين، وثلاثًا ثلاثًا، وأربعًا أربعًا، وليس من شرط ذلك أن لا تأتي الطائفة الأخرى من العدد إلا بعد مفارقته للطائفة التي قبلها فإنه لا شكَّ: أنَّه يصحُّ لغةً وعرفًا أن يقول الرجل لألف رجلٍ عنده: جاءني هؤلاء اثنين اثنين، أو ثلاثة ثلاثة، أو أربعة أربعة.

فحينئذ الآية تدلُّ على إباحة الزواج بعددٍ من النِّساء كثيرٍ، سواءٌ كانت الواو للجمع أو للتخيير، لأنَّ خطاب الجماعة بحكم من الأحكام بمنزلة الخطاب به لكلِّ واحدٍ منهم، فكأنَّ الله سبحانه قال لكلِّ فرد من الناس: انكح ما طاب لك من النساء مثنى وثلاث ورباع، ومع هذا فالبراءة الأصلية مستصحبةٌ،


(١) انظر: "غاية السول في خصائص الرسول" لابن الملقن (ص ١٨٨ - ١٩٣) و"كشف الغمَّة ببيان خصائص رسول الله والأمة" للأخ أبي الحسن مصطفى بن إسماعيل (ص ٣١٨ - ٣٢٥).
(٢) سورة النساء، الآية: (٣).
(٣) قال الشوكاني في "فتح القدير" (١/ ٥٥٤): معنى الآية: لينكح كل فرد منكم ما طاب له من النساء اثنتين اثنتين، وثلاثًا ثلاثًا، وأربعًا أربعًا. هذا ما تقتضيه لغة العرب، فالآية تدلُّ على خلاف ما استدلوا بها عليه، ويؤيِّد هذا قوله تعالى: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً﴾ [النساء: ٣]، فإنه وإنْ كان خطابًا للجميع فهو بمنزلة الخطاب لكل فرد فرد، فالأولى أن يُستدلَّ على تحريم الزيادة على الأربع بالسنة لا بالقرآن.
وأما استدلال مَنِ استدلَّ بالآية على جواز نكاح التسع باعتبار الواو الجامعة، فكأنه قال: انكحوا مجموع هذا العدد المذكور، فهذا جهل بالمعنى العربي، ولو قال انكحوا اثنتين وثلاثًا وأربعًا؛ كان هذا القول له وجه، وأما بالمجيء بصيغة العدد فلا، وإنما جاء سبحانه بالواو الجامعة دون "أو"؛ لأن التخيير يُشعر بأنه لا يجوز إلا أحد الأعداد المذكورة دون غيره، وذلك ليس بمراد من النظم القرآني". اهـ.
وانظر: التفسير الكبير للفخر الرازي (٩/ ١٧٤ - ١٧٥). وانظر: "إعراب القرآن الكريم وبيانه" (٢/ ١٥٥ - ١٥٨) ومغني اللبيب (٢/ ٦٥٤ - ٦٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>