للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ومن ادّعى تحريم الإتيان في محلّ مخصوص طولب بدليل يخصص عموم هذه الآية.

ولا شكّ أن الأحاديث المذكورة في الباب القاضية بتحريم إتيان النساء في أدبارهم يقوّي بعضها بعضًا فتنتهض لتخصيص الدبر من ذلك العموم.

وأيضًا: الدّبر في أصل اللغة (١) اسم لخلاف الوجه، ولا اختصاص له بالمخرج كما قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ﴾ (٢)، فلا يبعدُ حملُ ما ورد من الأدبار على الاستمتاع بين الأليتين.

وأيضًا قد حرَّم الله الوطء في الفرج لأجل الأذى، فما الظنُّ بالحشِّ الذي هو موضع الأذى اللازم مع زيادة المفسدة بالتعرّض لانقطاع النسل


= وهذا خلاف ما ثبت في المرفوع في سبب نزول هذه الآية، فقد صحَّ من حديث جابر بن عبد الله قال: كانت اليهود تقول: إذا جامعها من ورائها جاء الولد أحول.
فنزلت: ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾.
أخرجه البخاري رقم (٤٥٢٨) ومسلم رقم (١٤٣٥).
فهذا بيان في المعنى المراد من قوله تعالى: ﴿أَنَّى شِئْتُمْ﴾ صادر ممن أنزل الله إليه الذِّكر ليبين للناس ما نُزِّل إليهم، ولا يسع المؤمن الذي ارتضى الله ربًّا، والإسلام دينًا، ومحمد رسولًا، إلا أن يقبل به، وينتهي إليه، ويرفض قول الآخرين مهما كانت منزلتهم في الدين، فإنه هو الحَكَمُ الفصل عند التنازع.
ولما سمع ابنُ عباس قولَ ابن عمر ذلك، وهَّمه فيه، فقد روى أبو داود رقم (٢١٦٤) - وهو حديث حسن - عن ابن عباس، قال: إن ابن عمر - والله يغفرُ له - أوهَم، إنما كان هذا الحيُّ من الأنصار - وهم أهلُ وثنٍ - مع هذا الحيِّ من يهود - وهم أهل كتاب - وكانوا يَروْن لهم فضلًا عليهم في العلم، فكانوا يقتدون بكثير من فعلهم، وكان من أمر أهل الكتاب أن لا يأتوا النساءَ إلا على حرفٍ، وذلك أستر ما تكون المرأة، فكان هذا الحي من الأنصار قد أخذوا بذلك من فعلهم، وكان هذا الحيّ من قريش يشرحون النساء شَرْحًا منكرًا، ويتلذَّذون منهنَّ مقبلاتٍ ومدبراتٍ ومستلقياتٍ، فلما قدم المهاجرون المدينةَ، تزوَّج رجلٌ منهم امرأةً من الأنصار، فذهب يصنع بها ذلك، فأنكرته عليه، وقالت: إنما كنا نُؤتى على حرفٍ، فاصنع ذلك، وإلا فاجتنبني، حتى شَريَ أمرُهما (أي: انتشر وعُرف)، فبلغ ذلك رسول الله ، فأنزل الله ﷿: ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾، أي: مقبلات ومدبرات ومستلقيات، يعني بذلك موضع الولد.
(١) النهاية في غريب الحديث (١/ ٥٥٠).
(٢) سورة الأنفال، الآية: (١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>