للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقد استدل بأحاديث الباب على وجوب نفقة الحيوان على مالكه، وليس فيها ما يدل على الوجوب المدعى.

أما حديث ابن عمر (١)، وحديث أبي هريرة (٢) الأول الذي أشار إليه المصنف فليس فيهما إلا وجوب إنفاق الحيوان المحبوس على حابسه، وهو أخص من الدعوى، اللهم إلا أن يقال: إن مالك الحيوان حابس له في ملكه، فيجب الإنفاق على كل مالك لذلك ما دام حابسًا له لا إذا سيبه، فلا وجوب عليه لقوله في الحديث: "ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض"، كما وقع التصريح بذلك في كتب الفقه، ولكن لا يبرأ بالتسييب إلا إذا كان في مكان معشب يتمكن الحيوان فيه من تناول ما يقوم بكفايته.

وأما حديث أبي هريرة (٣) الثاني فليس فيه إلا أن المحسن إلى الحيوان عند الحاجة إلى الشراب - ويلحق به الطعام - مأجور، وليس النزاع في استحقاق الأجر بما ذكر إنما النزاع في الوجوب.

وكذلك حديث سراقة بن مالك (٤) ليس فيه إلا مجرد الأجر للفاعل وهو يحصل بالمندوب فلا يستفاد منه الوجوب، غاية الأمر أنَّ الإحسان إلى الحيوان المملوك أولى من الإحسان إلى غيره، لأن هذه الأحاديث مصرحة بأن الإحسان إلى غير المملوك موجب للأجر، وفحوى الخطاب يدل على أن المملوك أولى بالإحسان لكونه محبوسًا عن منافع نفسه بمنافع مالكه، وأما أن المحسن إليه أولى بالأجر من المحسن إلى غير المملوك فلا، فأولى ما يستدل به على وجوب إنفاق الحيوان المملوك حديث الهرة، لأن السبب في دخول تلك المرأة النار ليس مجرد ذلك الإنفاق، بل مجموع الترك والحبس، فإذا كان هذا الحكم ثابتًا في مثل الهرة، فثبوته في مثل الحيوانات التي تُمْلَكَ أولى؛ لأنها مملوكة محبوسة مشغولة بمصالح المالك.


(١) تقدم برقم (٢٩٩٢) من كتابنا هذا.
(٢) تقدم بإثر الحديث رقم (٢٩٩٢) من كتابنا هذا.
(٣) تقدم برقم (٢٩٩٣) من كتابنا هذا.
(٤) تقدم برقم (٢٩٩٤) من كتابنا هذا.

<<  <  ج: ص:  >  >>