للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(وثانيًا) بأنَّ الجملة المعطوفة، أعني قوله: "ولا ذو عهد في عهده"، لمجرَّد النهي عن قتل المعاهد فلا تقدير فيها أصلًا.

وردَّ: بأن الحديث مسوقٌ لبيان القِصاص لا للنهي عن القتل، فإنَّ تحريم قتل المعاهد معلومٌ من ضرورة أخلاق الجاهلية فضلًا عن الإسلام.

وأجيب عن هذا الردِّ: بأنَّ الأحكام الشرعية إنما تعرف من كلام الشارع، وكون تحريم قتل المعاهد معلومًا من أخلاق الجاهلية لا يستلزم معلوميته في شريعة الإسلام، وكيف والأحكام الشرعية جاءت بخلاف القواعد الجاهلية، فلا بد من معرفة: أن الشريعة الإسلامية قرّرته.

ويؤيد ذلك أن السبب في خطبته يوم الفتح بقوله: "لا يقتل مسلم بكافر" ما ذكره الشافعيُّ في "الأم" (١) حيث قال (٢): وخطبته يوم الفتح كانت بسبب القتل الذي قتلته خزاعة وكان له عهد، فخطب النبيّ فقال: "لو قتلت مسلمًا بكافر لقتلته به"، وقال: "لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده"، فأشار بقوله: "لا يقتل مسلم بكافر" إلى تركه الاقتصاص من الخزاعي بالمعاهد الذي قتله، وبقوله: "ولا ذو عهد في عهده" إلى النهي عن الإقدام على ما فعله القاتل المذكور.

فيكون قوله: "ولا ذو عهد في عهده" [كلامًا تامًّا] (٣) لا يحتاج إلى تقدير.

ولا سيما وقد تقرّر أن التقدير خلاف الأصل فلا يصار إليه إلا لضرورة ولا ضرورة كما قرّرناه.


= ووافقهم من أئمة اللغة الأخفش وابن فارس وابن جنّي. وأخذ الجمهور، وهو الحق لما هو معلوم من لسان العرب أنَّ الشيء إذا كان له وصفان فوصف بأحدهما دون الآخر كان المراد به ما فيه تلك الصفة دون الآخر.
البحر المحيط (٤/ ٣١).
(١) الأم (٧/ ٩٨) و (٩/ ١٣٨).
(٢) في هامش المخطوط (ب): ليس هذا من كلام الشافعي بل من كلام الحافظ لمن تأمل كلام "الفتح".
انظر: "فتح الباري" (١٢/ ٢٦٢).
(٣) في المخطوط (أ) و (ب): (كلام تام) والصواب ما أثبتناه.

<<  <  ج: ص:  >  >>