للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقد أخرج الشيخان (١) من حديث أبي هريرة قال: "شهدنا مع رسول الله فقال لرجل ممن يَدَّعي الإسلام: "هذا من أهل النار"، فلما حضر القتال قاتل قتالًا شديدًا فأصابه جراح، فقيل: يا رسول الله الذي قلت آنفًا أنه من أهل النار قد قاتل قتالًا شديدًا وقد مات، فقال : إلى النار، فكاد بعض المسلمين أن يرتاب، فبينما هم على ذلك إذ قيل له: إنه لم يمت ولكن به جراحة شديدة، فلما كان من الليل لم يصبر على الجراح فأخذ ذباب سيفه فتحامل عليه فقتل نفسه، فأخبر بذلك رسول الله فقال: "الله أكبر أشهد أني عبد الله ورسوله ثم أمر بلالًا فنادى في الناس: إنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، وإن الله تعالى ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر".

وأخرج أبو داود (٢) من حديث جابر بن مسلمة قال: "أخبر النبيّ برجل قتل نفسه، فقال: لا أصلي عليه".


= السنة أن من قتل نفسه أو ارتكب معصية غيرها ومات من غير توبة فليس بكافر ولا يقطع له بالنار، بل هو في حكم المشيئة، وقد تقدم بيان القاعدة وتقريرها، وهذا الحديث شرح للأحاديث التي قبله الموهم ظاهرها تخليد قاتل النفس وغيره من أصحاب الكبائر في النار، وفيه إثبات عقوبة بعض أصحاب المعاصي، فإن هذا عوقب في يديه، ففيه رد على "المرجئه" القائلين بأن المعاصي لا تضر. والله أعلم". اهـ.
• وقال القرطبي في "المفهم" (١/ ٣٢٤) في شرح حديث الطفيل أيضًا: "وهذا الحديث يقتضي: أن قاتل نفسه ليس بكافر، وأنه لا يخلدُ في النار، وهو موافق لمقتضى قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء: ٤٨]. وهذا الرجل ممن شاء الله أن يغفرَ له، لأنه إنما أتى بما دون الشِّرك، وهذا بخلاف القاتل نفسه المذكور في حديث جندب، فإنه ممن شاء اللهُ أن يعذِّبه". اهـ.
• وقال القاضي عياض في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (١/ ٤٠٣) في شرح حديث الطفيل أيضًا: "وفي هذا الحديث غفران الله تعالى لهذا قتله نفسه، وفيه دليل لأهل السنة على غفران الذنوب لمن شاء الله تعالى، وشرح للأحاديث قبله الموهم ظاهرُها التخليد وتأبيد الوعيد على قاتل نفسه، ورد على "الخوارج والمعتزلة" وفيه مؤاخذته بذنبه ومعاقبته، وهو رد على "المرجئة"". اهـ.
• وقال الأبي في "إكمال إكمال المعلم" (١/ ٣٧٥) في شرح حديث الطفيل أيضًا: "قلت: لا يقال: كيف يحتج به لجواز المغفرة وهو قد عوقب في يده، لأن عدم العفو عند القائل به موجب لدخول النار وهذا لم يدخلها". اهـ.
(١) البخاري رقم (٣٠٦٢) ومسلم رقم (١٧٨/ ١١١).
(٢) في سننه رقم (٣١٨٥).
وهو حديث صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>