للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والتوبة النافعة ههنا هي الاعتراف بالقتل عند الوارث إن كان له وارث، أو السلطان إن لم يكن له وارث، والندم على ذلك الفعل والعزم على ترك العود إلى مثله، لا مجرد الندم والعزم بدون اعتراف وتسليم للنفس أو الدية إن اختارها مستحقها، لأن حق الآدمي لا بد فيه من أمر زائد على حقوق الله وهو تسليمه أو تسليم عوضه بعد الاعتراف به.

فإن قلت: فعلام تحمل حديث أبي هريرة (١) وحديث معاوية (٢) المذكورين في أول الباب، فإن الأول يقضي بأن القاتل أو المعين على القتل يلقى الله مكتوبًا بين عينيه الإياس من الرحمة، والثاني يقضي بأن ذنب القتل لا يغفره الله.

قلت: هما محمولان على عدم صدور التوبة من القاتل، والدليل هذا التأويل ما في الباب من الأدلة القاضية بالقبول عمومًا وخصوصًا، ولو لم يكن من ذلك إلا حديث الرجل القاتل للمائة (٣) الذي تنازعت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب.

وحديث عبادة بن الصامت (٤) المذكور قبله فإنهما يلجئان إلى المصير إلى ذلك لتأويل، ولا سيما مع ما قدمنا من تأخر تاريخ حديث عبادة ومع كون الحديثين في الصحيحين بخلاف حديث أبي هريرة (١) ومعاوية (٢).

وأيضًا في حديث معاوية نفسه ما يرشد إلى هذا التأويل فإنه جعل الرجل القاتل عمدًا مقترنًا بالرجل الذي يموت كافرًا، ولا شك أن الذي يموت كافرًا مصرًا على ذنبه غير تائب منه من المخلدين في النار، فيستفاد من هذا التقييد أن التوبة تمحو ذنب الكفر فيكون ذلك القرين الذي هو القتل أولى بقبولها.

وقد قال العلامة الزمخشري في الكشاف (٥): إن هذه الآية يعني قوله: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا﴾ (٦) فيها من التهديد والإيعاد والإبراق والإرعاد (٧) أمر عظيم وخطب غليظ.


(١) تقدم برقم (٣٠٤٥) من كتابنا هذا.
(٢) تقدم برقم (٣٠٤٦) من كتابنا هذا.
(٣) تقدم برقم (٣٠٥٣) من كتابنا هذا.
(٤) تقدم برقم (٣٠٥٢) من كتابنا هذا.
(٥) في الكشاف للزمخشري (٢/ ١٢٨).
(٦) سورة النساء، الآية (٩٣).
(٧) قال العلامة أحمد بن محمد، المعروف: بابن المنير، عالم الإسكندرية وقاضيها وخطيبها =

<<  <  ج: ص:  >  >>