للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقد بالغ ابن عبد البر (١) فنقل الاتفاق على أن شرط الإحصان الموجب للرجم هو الإسلام.

وتعقب بأن الشافعي (٢) وأحمد (٣) لا يشترطان ذلكَ ومن جُملَةِ من قال: بأن الإسلام شرط ربيعة (٤) شيخُ مالكٍ وبعضُ الشافعية.

وأحاديث الباب تدلُّ على أنه يحدُّ الذميّ كما يحدّ المسلم. والحربيُّ، والمستأمن، يلحقان بالذمي بجامع الكفر.

وقد أجاب من اشترط الإسلام عن أحاديث الباب: بأنه إنما أمضى حكم التوراة على أهلها، ولم يحكم عليهم بحكم الإسلام، وقد كان ذلك عند مقدمه المدينة. وكان إذ ذاك مأمورًا باتباع حكم التوراة، ثم نسخ ذلك الحكم بقوله تعالى: ﴿وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ﴾ (٥).

ولا يخفى ما في هذا الجواب من التعسف، ونصب مثله في مقابلة أحاديث الباب من الغرائب، وكونه فعل ذلك عند مقدمه المدينة لا ينافي ثبوت الشرعية، فإنَّ هذا حكمٌ شرعه الله لأهل الكتاب، وقرره رسول الله ، ولا طريق لنا إلى ثبوت الأحكام التي توافق أحكام الإسلام إلا بمثل هذه الطريق، ولم يتعقب ذلك في شرعنا ما يبطله.

ولا سيما وهو مأمور بأن يحكم بينهم بما أنزل الله ومنهيٌّ عن اتباع أهوائهم، كما صرَّح بذلك القرآن.

وقد أتوه يسألونه عن الحكم ولم يأتوه ليعرّفهم شرعهم، فحكم بينهم بشرعه، ونبههم على أن ذلك ثابت في شرعهم كثبوته في شرعه.

ولا يجوز أن يقال: إنَّه حكم بينهم بشرعهم مع مخالفته لشرعه لأن الحكم منه بما هو منسوخ عنده لا يجوز على مثله، وإنما أراد بقوله: فإني أحكم بينكم


(١) "الاستذكار، (٢٤/ ٦١) وانظر: "التمهيد" (١٤/ ٨ - ٩، ١٠).
(٢) البيان للعمراني (١٢/ ٣٥٢).
(٣) المغني (١٢/ ٣١٧).
(٤) مدونة الفقه المالكي وأدلته (٤/ ٦٢٢ - ٦٢٣).
(٥) سورة النساء، الآية (١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>