للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ذلك كل الإباء، وما أكثر ما يقع مثل هذا الاختلاف بين الصحابة في القصة الواحدة التي مخرجها متحد بالاتفاق ثم ترتكب لأجل الجمع بين روايتهم العظائم التي لا تخلو في الغالب من تعسفات وتكلفات كأن السهو والغلط والنسيان لا يجري عليهم وما هم إلا كسائر الناس في العوارض البشرية، فإن أمكننا الجمع بوجه سليم عن التعسفات فذاك، وإلا توجه علينا المصير إلى الترجيح وحمل الغلط أو النسيان على الرواية المرجوحة، إما من الصحابي أو ممن هو دونه من الرواة. وقد مر لنا في هذا الشرح عدة مواطن من هذا القبيل مشينا فيها على ما مشى عليه الناس من الجمع بوجوه ينفر عن قبولها كل طبع سليم، ويأبى الرضا بها كل عقل مستقيم.

قوله: (أصبت حدًا فأقمِهُ عليَّ) هذا الإجمال قد وقع من المرأة تبيينه كما في سائر الروايات، ولكنه وقع الاختصار في هذه الرواية كما يشعر بذلك قوله عقب ذلك: "أحسِنْ إليها فإذا وضَعَتْ فأتِني"، وقد قدَّمنا أن مجرَّد الإقرار بالحد من دون تعيين لا يجوزُ للإمام أنْ يُحِدَّ بهِ.

قوله: (أحسِنْ إليها) إنما أَمَرَهُ بذلكَ لأنَّ سائر قرابتها ربما حملتهم الغيرة وحمية الجاهلية على أن يفعلوا بها ما يؤذيها فأمره بالإحسان تحذيرًا من ذلك.

قوله: (فَشُدتْ) في رواية (١): "فشكَّتْ" ومعنا هُما واحدٌ. والغرضُ من ذلكَ: أن لا تنكشفَ عند وقوع الرجم عليها لما جرت به العادةُ من الاضطراب عند نزولِ الموت وعدم المبالاة بما يبدو من الإنسان، ولهذا ذهب الجمهور إلى أن المرأة ترجم قاعدة والرجل قائمًا لما في ظهور عورة المرأة من الشناعة.

وقد زعم النووي (٢): أنه اتفق العلماء على أن المرأة ترجم قاعدةً، وليس في الأحاديث ما يدلُّ على ذلك، ولا شك أنَّه أقرب إلى الستر، ولم يحك ذلك في البحر (٣) إلا عن أبي حنيفة (٤) والهادوية (٥).


(١) أبو داود رقم (٤٤٤٠).
(٢) في شرحه لصحيح مسلم (١١/ ١٩٧).
(٣) البحر الزخار (٥/ ١٥٥).
(٤) البناية في شرح الهداية (٦/ ٢١٤).
(٥) البحر الزخار (٥/ ١٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>