للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

"المفهم" (١) فإنَّه قال: وقع في روايةٍ في مُسلمٍ (٢): "لاها الله ذا" بغير ألف ولا تنوين، وهو الذي جزم به من ذكرناه، يعني: من قدَّم النقل عنه من أئمة العربية.

قال: والذي يظهر لي: أن الرواية المشهورة صوابٌ، وليست بخطأ، وذلك أن هذا الكلام وقع على جواب إحدى الكلمتين للأخرى، والهاء هي التي عُوِّض بها عن واو القسم، وذلك: أن العرب تقول في القسم: آلله لأفعلنَّ بمدِّ الهمزة، وبقصرها، فكأنهم عوَّضوا عن الهمزة هاءً، فقالوا: ها الله، لتقارب مخرجيهما.

وكذلك قالوها: بالمدِّ والقصر، وتحقيقه: أن الذي مدَّ مع الهاء كأنَّه نطق بهمزتين، أبدل من إحداهما ألفًا استثقالًا؛ لاجتماعهما، كما يقول: آلله. والذي قصر كأنه نطق بهمزةٍ واحدة كما يقول: الله. وأمَّا إذًا فهي بلا شكٍّ حرف جواب وتعليل، وهي مثل التي وقعت في قوله وقد سئل عن بيع الرطب بالتمر؛ فقال: "أينقص الرطب إذا جف"؟ قالوا: نعم، قال: فلا إذًا (٣)، فلو قال: فلا والله إذًا لكان مساويًا لما وقع هنا وهو "لاها الله إذًا" من كلِّ وجه، لكنه لم يحتج إلى القسم فتركه (٤)، قال: فقد وضح تقرير الكلام ومناسبته واستقامته معنًى ووضعًا من غير حاجة إلى تكلف بعيدٍ يخرج عن البلاغة، ولا سيما من ارتكب أبعد وأفسد، فجعل الهاء للتنبيه، وذا للإِشارة، وفصل بينهما بالمقسم به.

قال: وليس هذا قياسًا فيطرد ولا فصيحًا فيحمل عليه الكلام النبوي، ولا مرويًا برواية ثابتة.

قال: وما وجد للعذري وغيره في مسلم فإصلاح ممن اغتر بما حكي عن أهل العربية، والحقُّ أَحقُّ أن يُتَّبع.

قال في الفتح (٥): قال أبو جعفر الغرناطيُّ في حاشية نسخته من


(١) في "المفهم" (٣/ ٥٤٤).
(٢) في صحيحه رقم (٤١/ ١٧٥١).
(٣) أخرجه أبو داود رقم (٣٣٥٩) والترمذي رقم (١٢٢٥) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
والنسائي رقم (٤٥٤٥) وابن ماجه رقم (٢٢٦٤) ومالك في الموطأ (٢/ ٦٢٤ رقم ٢٢).
وهو حديث صحيح.
(٤) الفتح (٨/ ٣٩) و"مغني اللبيب" (١/ ٢٠ - ٢٢).
(٥) في "الفتح" (٢/ ٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>