للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال الآخرون: يجب المصير إلى المجاز وهو أن اللمس مراد به الجماع لوجود القرينة وهي حديث عائشة الذي سيأتي في التقبيل (١)، وحديثها في لمسها


= وقد بين ابن رشد ذلك، فقال في "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" بتحقيقي (١/ ١٠٢ - ١٠٤): "وسبب اختلافهم في هذه المسألة اشتراك اسم اللمس في كلام العرب، فإن العرب تطلقه مرة على اللمس الذي هو باليد، ومرة تكني به على الجماع، فذهب قوم إلى أن اللمس الموجب للطهارة في آية الوضوء هو الجماع في قوله تعالى: ﴿أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ﴾ [النساء: ٤٣].
وذهب آخرون إلى أنه اللمس باليد، ومن هؤلاء من رآه من باب العامّ أريد به الخاص فاشترط فيه اللذة، ومنهم من رآه من باب العامّ أريد به العام، فلم يشترط اللذة فيه، ومن اشترط اللذة فإنما دعاه إلى ذلك ما عارض عموم الآية من أن النبي كان يلمس عائشة عند سجوده بيده، وربما لمسته، وخرج أهل الحديث حديث حبيب بن أبي ثابت عن عروة عن عائشة عن النبي : "أنه قبَّلَ بعضَ نسائِهِ، ثم خرجَ إلى الصلاةِ ولم يتوضأ" فقلتُ: من هي إلا أنتِ؟ فضحكت.
قال أبو عمر: هذا الحديث وهذه الحجازيون، وصححه الكوفيون، وإلى تصحيحه مال أبو عمر بن عبد البر قال: وروي هذا الحديث أيضًا من طريق معبد بن نباتة. وقال الشافعي: إن ثبت حديث معبد بن نباتة في القبلة لم أر فيها ولا في اللمس وضوءًا.
وقد احتج من أوجب الوضوء من اللمس باليد بأن اللمس ينطلق حقيقة على اللمس باليد وينطلق مجازًا على الجماع، وأنه إذا تردد اللفظ بين الحقيقة والمجاز؛ فالأولى أن يحمل على الحقيقة، حتى يدل الدليل على المجاز، ولأولئك أن يقولوا إن المجاز إذا كثر استعماله كان أدل على المجاز منه على الحقيقة، كالحال في اسم الغائط الذي هو أدل على الحدث الذي هو فيه مجاز منه على المطمئن من الأرض الذي هو فيه حقيقة.
والذي اعتقده أن اللمس وإن كانت دلالته على المعنيين بالسواء أو قريبًا من السواء أنه أظهر عندي في الجماع وإن كان مجازًا؛ لأن الله قد كنى بالمباشرة والمس عن الجماع وهما في معنى اللمس، وعلى هذا التأويل في الآية يحتج بها في إجازة التيمم للجنب دون تقدير تقديم فيها ولا تأخير على ما سيأتي بعد، وترتفع المعارضة التي بين الآثار والآية على التأويل الآخر.
وأما من فهم الآية اللمسين معًا فضعيف، فإن العرب إذا خاطبت بالاسم المشترك إنما تقصد به معنى واحدًا من المعاني التي يدل عليها الاسم لا جميع المعاني التي يدل عليها وهذا بين بنفسه في كلامهم" اهـ. وقال الطبري في "جامع البيان" (٤/ ج ٥/ ١٠٥): "وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: عنى الله بقوله: ﴿أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ﴾ الجماع دون غيره من معاني اللمس لصحة الخبر عن رسول الله أنه قبَّل بعض نسائه ثم صلى ولم يتوضأ" اهـ.
وانظر: "سبل السلام" (١/ ٣٣٢ - ٣٣٥) بتحقيقي.
(١) رقم (١٢/ ٢٤٩) من كتابنا هذا.

<<  <  ج: ص:  >  >>