للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ومع ذلك فقد اعتذر في البداية لمشايخه من عدم القيامِ بشرح "المنتقى" متعللًا بأسباب عديدة. ولنستمع إليه وهو يقول: " … حَمَلَ حسنُ الظنِّ بي جماعةً من حَمَلةِ العلمِ، بعضُهم من مشايخي على أن التمسُوا مني القيامَ بشرحِ هذا الكتاب - المنتقى - وحسَّنوا لي السلوكَ في هذهِ المسالكِ الضيِّقةِ التي يتلوَّنُ الخِرِّيتُ في مُوعِراتِ شِعَابها والهضابِ، فأخذتُ في إلقاءِ المعاذيرِ، وأبنتُ تعسُّرَ هذا المقصِدِ على جميع التقادير، وقلتُ: القيامُ بهذا الشأنِ يحتاجُ إلى جُمْلَةٍ من الكُتبِ يعِزُّ وجودُها في هذهِ الديارِ. والموجودُ منها محجوبٌ - بأيدي جماعةٍ - عن الأبصارِ بالاحتكارِ والادِّخارِ، كما تُحجبُ الأبكارُ. ومعَ هذا فأوقاتي مُسْتَغرَقةٌ بوظائفِ الدرسِ والتدريسِ، والنَّفْسُ مؤْثرةٌ لمُطارحةِ مهَرةِ المتدرِّبين في المعارِفِ على كُلِّ نفيسٍ، ومَلَكتي قاصِرَةٌ عن القدْرِ المعتَبرِ في هذا العلم الذي قد درَس رسمُه، وذهبَ أهلُه منذ أزمانٍ قد تصرّمتْ فلم يبقَ بأيدي المتأخرين إلا اسمُهُ، لا سيَّما وثوبُ الشبابِ قَشِيبٌ، ورِدْنُ الحَداثةِ بمائِها خصيبٌ، ولا ريبَ أن لعلوِّ السِّنِّ وطولِ الممارسةِ في هذا الشأنِ أوفرَ نصيبٍ.

فلمَّا لم ينفعْني الإِكثارُ من هذه الأعذار، ولا خَلَّصني من ذلكَ المطلَبِ ما قدَّمْتُه من الموانعِ الكِبار صمَّمْتُ على الشروع في هذا المقصِدِ المحمود، وطمِعْتُ أن يكون قد أُتيح لي أنِّي مِنْ خدَمِ السُّنَّةِ المطهَّرةِ معدودٌ، وربما أدركَ الطالعُ شأوَ الضليعِ، وعُدَّ في جملةِ العقلاءِ المتعاقِلُ الرقيعُ … " اهـ (١).

وقد اشتمل "نيل الأوطار" على مزايا قلَّ أن توجدَ في غيره من الكتب المؤلّفةِ في أدلة الأحكام.

(منها): أنه تعرّض لتخريج الحديثِ وبيان طُرقِه، واختلافِ ألفاظِه، وما قيل فيه من صِحّة أو ضَعف، وسبب ضعفه، وأقوالِ أئمةِ هذا الشأنِ فيه، وإبداءِ رأْيهِ في ذلك.

(ومنها): كشفُ معاني ألفاظِ الحديثِ في الغالب، وأقوالِ علماءِ اللغةِ فيها، وبيانُ اشتقاقِها إذا احتاج الأمرُ لذلك، مع إيضاح معناها الاصطلاحي الشرعيّ.


(١) نيل الأوطار: (١/ ٢ - ٣) ط: دار الجيل - بيروت.

<<  <  ج: ص:  >  >>