للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

"أنه كانَ آخِر الأمرين منه عدم الوضوء مما مَسَّت النار".

قال النووي في شرح مسلم (١): "ولكن هذا الحديث عام وحديث الوضوء من لحوم الإِبل خاص والخاص مقدم على العام". وهو مبني على أنه يبنى العام على الخاص مطلقًا كما ذهب إليه الشافعي وجماعة من أئمة الأصول وهو الحق، وأما من قال إن العام المتأخر ناسخ فيجعل حديث ترك الوضوء مما مست النار ناسخًا لأحاديث الوضوء من لحوم الإبل، ولا يخفى عليك أن أحاديث الأمر بالوضوء من لحوم الإِبل لم تشمل النبي لا بالتنصيص ولا بالظهور بل في حديث سمرة (٢): "قال له الرجل أنتوضأ من لحوم الإِبل؟ قال: نعم"، وفي حديث البراء (٣): "توضأوا منها"، وفي حديث ذي الغرة الآتي (٤): "أفنتوضأ من لحومها؟ قال: نعم"، فلا يصلح تركه للوضوء مما مست النار ناسخًا لها لأن فعله لا يعارض القول الخاص بنا ولا ينسخه بل يكون فعله لخلاف ما أمر به أمرًا خاصًّا بالأمة دليل الاختصاص به.


= وقد أعله العلماء بعلل ثلاث:
الأولى: لم يسمع ابن المنكدر هذا الحديث من جابر. كما في "التلخيص" (١/ ١١٦).
قلت: وقد صرح ابن المنكدر بسماعه من جابر عند أبي داود، والنسائي، وأحمد (٣/ ٣٢٢).
الثانية: هذا الخبر مختصر من حديث طويل .. كما في صحيح ابن حبان (٣/ ٤١٧).
قلت: أجاب ابن حزم في المحلى (١/ ٢٤٣) عن هذه العلة بقوله: "القطع بأن ذلك الحديث مختصر … قول بالظن … بل هما حديثان كما وردا" اهـ.
الثالثة: قال أبو حاتم في "العلل" (١/ ٦٤ رقم ١٦٨): "هذا حديث مضطرب المتن، إنما هو: أن النبي أكل كتفًا ولم يتوضأ … كذا رواه الثقات عن محمد بن المنكدر، عن جابر، ويحتمل أن يكون شعيب حدث به من حفظه فوهم فيه" اهـ.
قلت: لقد رد الشيخ أحمد شاكر في "شرحه سنن الترمذي" (١/ ١١٧) على أبي حاتم بقوله: "شعيب بن حمزة الذي رواه عن ابن المنكدر ثقة متفق عليه، حافظ أثنى عليه الأئمة، كما قال الخليلي وعليُّ بن عياش، الذي رواه عن شعيب، ثقة حجة - كما قال الدارقطني … ونسبة الوهم إلى هذين الراويين، أو إلى أحدهما يحتاج إلى دليل صريح أقوى من روايتهما، وهيهات أن يوجد" اهـ.
وخلاصة القول أن الحديث صحيح، والله أعلم.
(١) (٤/ ٤٩).
(٢) وهو حديث صحيح، تقدم تخريجه برقم (١٩/ ٢٥٦) من كتابنا هذا.
(٣) وهو حديث صحيح، سيأتي تخريجه برقم (٢٠/ ٢٥٧) من كتابنا هذا.
(٤) وهو حديث صحيح لغيره، سيأتي تخريجه برقم (٢١/ ٢٥٨) من كتابنا هذا.

<<  <  ج: ص:  >  >>