للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأما الاضطراب في المتن فيجاب بأن مثل ذلك غير قادح في الاستدلال، لأن الراوي قد يترك بعض ألفاظ الحديث تارة ويذكرها أخرى.

(والرابع): أن لفظة المعازف التي هي محلّ الاستدلال ليست عند أبي داود.

ويجاب بأنه قد ذكرها غيره.

وثبتت في الصحيح، والزيادة من العدل مقبولة.

وأجاب المجوّزون أيضًا على الحديث المذكور من حيث دلالته فقالوا: لا نسلم دلالته على التحريم. وأسندوا هذا المنع بوجوه:

(أحدها): أن لفظة: "يستحلون" (١) ليست نصًا في التحريم، فقد ذكر أبو بكر ابن العربي (٢) لذلك معنيين:

(أحدهما): أن المعنى يعتقدون أن ذلك حلال.

(الثاني): أن يكون مجازًا عن الاسترسال في استعمال تلك الأمور.


(١) قال ابن تيمية في كتاب "إبطال التحليل" ص ٢٠ - ٢١: "لعل الاستحلال المذكور في الحديث، إنما هو بالتأويلات الفاسدة، فإنَّهم لو استحلوها مع اعتقاد أن الرسول حرّمها كانوا كفارًا، ولم يكونوا من أمته، ولو كانوا معترفين بأنّها حرام لأوشك أن لا يعاقبوا بالمسخ كسائر الذين لم يزالوا يفعلون هذه المعاصي ولما قيل فيهم: لا "يستحلون"، فإن المستحل للشيء هو الذي يأخذه معتقدًا حله، فيشبه أن يكون استحلالهم الخمر، يعني أنهم يسمونها بغير اسمها كما في الحديث، فيشربون الأشربة المحرمة، ولا يسمونها خمرًا، واستحلال الحرير وسائر أنواعه باعتقادهم أنّه حلال للمقاتلة وقد سمعوا أنّه مباح لبسه عند القتال عند كثير من العلماء فقاسوا سائر أحوالهم على تلك! وهذه التأويلات واقعة في الطوائف الثلاثة التي قال فيها ابن المبارك رحمه الله تعالى:
وهل أفسد الدين إلا الملوك … وأحبارُ سوء ورهبانها
ومعلوم أنّها لا تغني عن أصحابها من الله شيئًا بعد أن بلَّغ الرسول وبيَّن تحريم هذه الأشياء بيانًا قاطعًا للعذر، كما هو معروف في مواضعه.
وقال ابن القيم في "إغاثة اللهفان" (١/ ٣٧١ - ٣٧٢): "أن المعازف هي آلات اللهو كلها، لا خلاف بين أهل اللغة في ذلك، ولو كانت حلالًا لما ذمهم على استحلالها، ولما قرن استحلالها باستحلال الخمر والحر".
(٢) في "عارضة الأحوذي" (٨/ ٤٩ - ٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>