للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

السنة، ولا الإجماع، وهي نادرة الوقوع جداً فيصرف فيها زماناً كان صرفه في غيرها أولى، ولا سيما إن لزم من ذلك المقال التوسع في بيان ما يكثر وقوعه.

وأشد من ذلك في كثرة السؤال البحث عن أمور مغيبة ورد الشرع بالإيمان بها مع ترك كيفيتها.

ومنها ما لا يكون له شاهد في عالم الحسّ كالسؤال عن وقت الساعة، وعن الروح، وعن مدة هذه الأمة إلى أمثال ذلك مما لا يعرف إلا بالنقل، والكثير منه لم يثبت فيه شيء، فيجب الإيمان به من غير بحث.

وأشدّ من ذلك ما يوقع كثرة البحث عنه في الشكّ والحيرة، كما صحّ من حديث أبي هريرة رفعه عند البخاري (١) وغيره: "لا يزال الناس يتساءلون: هذا الله خلق الخلق فمن خلق الله".

قال الحافظ (٢): فمن سدّ باب المسائل، حتى فاته كثير مِن الأحكام التي يكثر وقوعها، فإنه يقلّ فهمه وعلمه، ومن توسع في تفريع المسائل وتوليدها، ولا سيما فيما يقلّ وقوعه أو يندر، ولا سيما إن كان الحامل على ذلك المباهاة والمغالبة، فإنه يذمّ فعله، وهو عين الذي كرهه السلف.

ومن أمعن البحث عن معاني كتاب الله تعالى، محافظاً على ما جاء في تفسيره عن رسول الله ، وعن الصحابة الذين شاهدوا التنزيل، وحصّل من الأحكام ما يستفاد من منطوقه ومفهومه، وعن معاني السنة وما دلت عليه كذلك، مقتصراً على ما يصلح للحجة فيها، فإنه الذي يحمد، وينفع وينتفع به.

وعلى ذلك يحمل عمل فقهاء الأمصار من التابعين فمَنْ بعدهم، حتى حدثت الطائفة الثانية، فعارضتها الطائفة الأولى، فكثر بينهم المراء والجدال، وتولدت البغضاء، وهم من أهل دين واحد، والوسط هو المعتدل من كل شيء، وإلى ذلك يشير قوله في الحديث المذكور في الباب (٣): "فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم".


(١) في صحيحه رقم (٣٢٧٦) من حديث أبي هريرة.
وأخرج البخاري رقم (٧٢٩٦) ومسلم رقم (٢١٧/ ١٣٦) من حديث أنس بن مالك.
(٢) في "الفتح" (١٣/ ٢٦٧).
(٣) تقدم برقم (٣٥٦٨) من كتابنا هذا.

<<  <  ج: ص:  >  >>