للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقد تقدم في كتاب الزكاة (١) في باب العاملين عليها حديث بريدة عن النبيّ بلفظ: "من استعملناه على عمل فرزقناه رزقًا فما أخذه بعد ذلك فهو غلول"، أخرجه أبو داود (٢).

وقد بوّب البخاري (٣) في أبواب القضاء: باب هدايا العمال، وذكر حديث ابن اللتبية (٤) المشهور.

والظاهر: أن الهدايا التي تهدى للقضاة ونحوهم هي نوع من الرشوة، لأن المهدي إذا لم يكن معتادًا للإهداء إلى القاضي قبل ولايته لا يهدي إليه إلا لغرض، وهو إما التقويّة به على باطله، أو التوصل بهديته له إلى حقه، والكلّ حرام كما تقدم.

وأقلّ الأحوال أن يكون طالبًا لقربه من الحاكم وتعظيمه ونفوذ كلامه، ولا غرض له بذلك إلا الاستطالة على خصومه أو الأمن من مطالبتهم له فيحتشمه من له حقّ عليه ويخافه من لا يخافه قبل ذلك، وهذه الأغراض كلها تؤول إلى ما آلت إليه الرشوة.

فليحذر الحاكم المتحفظ لدينه، المستعدُّ للوقوف بين يدي ربه من قبول هدايا من أهدى إليه بعد توليه للقضاء، فإنَّ للإحسان تأثيرًا في طبع الإنسان، والقلوب مجبولةٌ على حبِّ من أحسن إليها؛ فربما مالت نفسه إلى المهدي إليه ميلًا يؤثر الميل عن الحقّ عند عروض المخاصمة بين المهدي وبين غيره، والقاضي لا يشعر بذلك ويظنّ أنه لم يخرج عن الصواب بسبب ما قد زرعه الإحسان في قلبه، والرشوة لا تفعل زيادةً على هذا، ومن هذه الحيثية امتنعت عن قبول الهدايا بعد دخولي في القضاء ممن كان يهدي إليّ قبل الدخول فيه بل من الأقارب فضلًا عن سائر الناس، فكان في ذلك من المنافع ما لا يتسع المقام لبسطه، أسأل الله أن يجعله خالصًا لوجهه.


(١) "نيل الأوطار" (٨/ ١٦١ رقم ١٦/ ١٥٩٧) من كتابنا هذا.
(٢) في سننه رقم (٢٩٤٣).
وهو حديث صحيح.
(٣) في صحيحه (١٣/ ١٦٤ رقم الباب (٢٤) - مع الفتح).
(٤) رقم الحديث (٧١٧٤) من صحيح البخاري.

<<  <  ج: ص:  >  >>