للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

واحتجوا لما عداه بقصة المتلاعنين (١)، فإنه فرَّق بين المتلاعنين، مع احتمال أن يكون الرجل قد صدق فيما رماها به.

قالوا: فيؤخذ من هذا: أنَّ كل قضاء ليس فيه تمليك مال: أنَّه على الظاهر، ولو كان الباطن بخلافه، وأنَّ حكم الحاكم يحدث في ذلك التحريم، والتحليل، بخلاف الأموال.

وتعقب بأن الفرقة في اللعان إنما وقعت عقوبة للعلم بأنَّ أحدهما كاذب، وهو أصل برأسه فلا يقاس عليه.

وقال بعض الحنفية (٢) مجيبًا على من استدل بالحديث لما تقدم: بأن ظاهر الحديث يدلُّ على أن ذلك مخصوص بما يتعلق بسماع كلام الخصم، حيث لا بينة هناك، ولا يمين، وليس النزاع فيه، وإنَّما النزاع في الحكم المرتب على الشهادة، وبأنَّ "مَن" في قوله: "فمن قضيت له" شرطية، وهي لا تستلزم الوقوع فيكون من فرض ما لم يقع، وهو جائز فيما يتعلق به غرض، وهو هنا محتمل لأن يكون للتهديد، والزجر عن الإقدام على أخذ أموال الناس بالمبالغة في الخصومة، وهو وإن جاز أن يستلزم عدم نفوذ الحكم باطنًا في العقود والفسوخ لكنه لم يسبق لذلك فلا يكون فيه حجة لمن منع، وبأن الاحتجاج به يستلزم أنه يقرّ على الخطأ، لأنه لا يكون ما قضى به قطعة من النار إلا إذا استمرّ الخطأ، وإلا فمتى فرض أنه يطلع عليه فإنه يجب أن يبطل ذلك الحكم ويردّ الحقّ لمستحقه.

وظاهر الحديث يخالف ذلك، فإمَّا أن يسقط الاحتجاج به ويؤوَّل على ما تقدم، وإما أن يستلزم استمرار التقرير على الخطأ، وهو باطل.

والجواب عن الأول: أنه خلاف الظاهر، بل من التحريف الذي لا يفعله منصفٌ.


(١) أخرجه البخاري رقم (٤٧٤٧) وأبو داود رقم (٢٢٥٤) والترمذي رقم (٣١٧٩) وابن ماجه رقم (٢٠٦٧).
وهو حديث صحيح.
(٢) حكاه عنهم الحافظ في "الفتح" (١٣/ ١٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>