للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وكذلك حديث جابر (١) المذكور لا يدلّ على المطلوب بوجه. وغاية ما فيه الامتناع عن القتل لمن كان في الظاهر من الصحابة لئلا يقول الناس تلك المقالة، والإخبار للحاضرين بما يكون من أمر الخوارج وترك أخذهم بذلك لتلك العلة.

ومن جملة ما استدلّ به البخاري (٢) على الجواز حديث هند زوجة أبي سفيان لما أذن لها النبيّ أن تأخذ من ماله ما يكفيها وولدها.

قال ابن بطال (٣): احتجّ من أجاز للقاضي أن يحكم بعلمه بهذا الحديث، لأنه إنما قضى لها ولولدها بوجوب النفقة لعلمه بأنها زوجة أبي سفيان ولم يلتمس على ذلك بينة.

وتعقبه ابن المنيِّر (٤): بأنه لا دليل فيه لأنه خرج مخرج الفتيا، وكلام المفتي يتنزّل على تقدير صحة كلام المستفتي. اهـ. فإن قيل: إن محل الدليل إنما هو عمله بعلمه أنها زوجة أبي سفيان فكيف صحّ هذا التعقب.

فيجاب: بأن الذي يحتاج إلى معرفة المحكوم له هو الحكم، لا الإفتاء، فإنه يصحّ للمجهول، فإذا ثبت أن ذلك من قبيل الإفتاء بطلت دعوى: أنَّه حكم بعلمه أنَّها زوجة.

وقد تعقب الحافظ (٥) كلام ابن المنير فقال: وما ادّعى نفيه بعيد، فإنه لو لم يعلم صدقها لم يأمرها بالأخذ، واطلاعه على صدقها ممكن بالوحي دون من سواه، فلا بد من سبق علم.

ويجاب عن هذا: بأن الأمر لا يستلزم الحكم لأن المفتي يأمر المستفتي بما هو الحقّ لديه وليس ذلك من الحكم في شيء.

ومن جملة ما استدلَّ به على المنع الحديث المتقدم عن أمّ سلمة (٦): "فأقضي بنحو ما أسمع" ولم يقل: بما أعلم.


(١) تقدم برقم (٣٩١٧) من كتابنا هذا.
(٢) في صحيحه رقم (٧١٦١).
(٣) في شرحه لصحيح البخاري (٨/ ٢٢٧).
(٤) حكاه عنه الحافظ في "الفتح" (١٣/ ١٣٩).
(٥) في "الفتح" (١٣/ ١٤٠).
(٦) تقدم برقم (٣٩٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>