للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ويجاب بأنَّ التنصيص على السماع لا ينفي كون غيره طريقًا للحكم.

على أنَّه يمكن أن يقال: إنَّ الاحتجاج بهذا الحديث للمجوِّزين أظهر؛ فإن العلم أقوى من السماع؛ لأنه يمكن بطلان ما يسمعه الإنسان ولا يمكن بطلان ما يعلمه، ففحوى الخطاب تقتضي جواز القضاء بالعلم.

ومن جملة ما استدلَّ به المانعون حديث: "شاهداك أو يمينه" (١)، وفي لفظ: "وليس لك إلا ذلك" (٢)، ويجاب بما تقدم من أن التنصيص على ما ذكر لا ينفي ما عداه.

وأمَّا قوله: "وليس لك إلا ذلك" فلم يقله النبيّ ، وقد علم بالمحقّ منهما من المبطل حتى يكون دليلًا على عدم حكم الحاكم بعلمه، بل المراد أنه ليس للمدعي من المنكر إلا اليمين وإن كان فاجرًا حيث لم يكن للمدعي برهان.

والحقُّ الذي لا ينبغي العدول عنه أنْ يقال: إن كانت الأمور التي جعلها الشارع أسبابًا للحكم، كالبينة، واليمين، ونحوهما أمورًا تعبَّدنا الله بها، لا يسوغ لنا الحكم إلا بها، وإن حصل لنا ما هو أقوى منها بيقين، فالواجب علينا: الوقوف عندها، والتقيد بها، وعدم العمل بغيرها في القضاء كائنًا ما كان، وإن كانت أسبابًا يتوصل الحاكم بها إلى معرفة المحقِّ من المبطل والمصيب من المخطئ غير مقصودة لذاتها، بل لأمر آخر، وهو حصول ما يحصل للحاكم بها من علم أو ظنٍّ، وأنَّها أقلُّ ما يحصل له ذلك في الواقع؛ فكان الذكر لها لكونها طرائق لتحصيل ما هو المعتبر، فلا شك ولا ريب: أنه يجوز للحاكم أن يحكم بعلمه، لأنَّ شهادة الشاهدين والشهود لا تبلغ إلى مرتبة العلم الحاصل عن المشاهدة، أو ما يجري مجراها، فإنَّ الحاكم بعلمه غير الحاكم الذي يستند إلى شاهدين أو يمين، ولهذا يقول المصطفى : "فمن قضيت له بشيء [من] (٣)


(١) أخرجه البخاري رقم (٢٣٥٧) ومسلم رقم (٢٢١/ ١٣٨).
(٢) أخرجه أحمد في المسند (٤/ ٣١٧) ومسلم رقم (٢٢٣/ ١٣٩) وأبو داود رقم (٣٢٤٥) والترمذي رقم (١٣٤٠) من حديث علقمة بن وائل بن حجر عن أبيه.
وهو حديث صحيح.
(٣) ما بين الحاصرتين سقط من المخطوط (أ).

<<  <  ج: ص:  >  >>