للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مال أخيه؛ فلا يأخذه إنما أقطع له قطعة من نار" (١).

فإذا جاز الحكم مع تجويز كون الحكم صوابًا وتجويز كونه خطأ، فكيف لا يجوز مع القطع بأنه صواب لاستناده إلى العلم اليقين.

ولا يخفى رجحان هذا وقوّته، لأن الحاكم به قد حكم بالعدل والقسط والحقّ كما أمر الله تعالى.

ويؤيد هذا ما سيأتي في باب استحلاف المنكر (٢) حيث قال للكندي: "ألك بينة؟ " فإن البينة في الأصل ما به يتبين الأمر ويتضح.

ولا يرد على هذا أنه يستلزم قبول شهادة الواحد والحكم بها. لأنا نقول: إذا كان القضاء بأحد الأسباب المشروعة فيجب التوقف فيه على ما ورد، وقد قال تعالى: ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ (٣)، وقال : "شاهداك" وإنما النزاع إذا جاء بسبب آخر من غير جنسها هو أولى بالقبول منها كعلم الحاكم.

واستدلَّ المستثني للحدود بما تقدم من قوله : "لولا الأيمان لكان لي ولها شأن" (٤)، وفي لفظ: "لو كنت راجمًا أحدًا من غير بينة لرجمتها"، أخرجه مسلم (٥) وغيره (٦) من حديث ابن عباس في قصة الملاعنة، وظاهره أنه قد علم وقوع الزنا منها ولم يحكم بعلمه، ومن ذلك قول أبي بكر وعبد الرحمن المتقدمان.

ويمكن أن يجاب عن الحديث: بأنَّ النبيّ إنما لم يعمل بعلمه لكونه قد حصل التلاعن، وهو أحد الأسباب الشرعية الموجبة للحكم بعدم الرجم، والنزاع إنما هو في الحكم بالعلم من دون أن يتقدّم سبب شرعي ينافيه، وقد تقدم في اللعان ما يزيد هذا وضوحًا.


(١) تقدم برقم (٣٩٠٩) من كتابنا هذا.
(٢) الباب الحادي والعشرون: (بابُ استحلافِ المنكِر إذا لم تَكُنْ بيّنَةٌ وأنه ليس للمدّعي الجمع بينهما). عند الحديث رقم (٦٢/ ٣٩٣٣) من كتابنا هذا.
(٣) سورة الطلاق، الآية: (٢).
(٤) تقدم برقم (٢٩١٠) من كتابنا هذا.
(٥) في صحيحه رقم (١٣/ ١٤٩٧).
(٦) كالإمام البخاري في صحيحه رقم (٦٨٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>