للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

انتزاعه فقال: قوله تعالى: ﴿فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا﴾ (١) لا يخلو إمَّا: أن يُقرَّا أو يشهد عليهما شاهدان، أو شاهد وامرأتان، أو شاهدٌ واحدٌ؛ قال: وقد أجمعوا على أنَّ الإقرار بعد الإنكار لا يوجب يمينًا على الطَّالب، وكذلك مع الشاهدين، ومع الشاهد والمرأتين، فلم يبق إلا شاهدٌ واحدٌ، فلذلك استحقه الطالبان بيمينهما مع الشاهد الواحد.

وتعقبه الحافظ (٢) بأنَّ القصة وردت من طرق متعدّدة في سبب النزول وليست في شيء منها أنه كان هناك من شهد، بل في رواية الكلبي: "فسألهم البيّنة فلم يجدوا، فأمرهم أن يستحلفوه" أي: عديًا بما يعظم على أهل دينه.

واستدلّ بهذا الحديث على جواز شهادة الكفار بناء على أن المراد بالغير في الآية الكريمة الكفار؛ والمعنى ﴿مِنْكُمْ﴾: أي من أهل دينكم ﴿أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾ (٣): أي من غير أهل دينكم، وبذلك قال أبو حنيفة (٤) ومن تبعه.

وتعقب بأنَّه لا يقول بظاهرها فلا يجيز شهادة الكفار على المسلمين، وإنما يجيز شهادة بعض الكفار على بعض.

وأجيب بأنَّ الآية دلت بمنطوقها على قبول شهادة الكافر على المسلم، وبإيمائها على قبول شهادة الكافر على الكافر بطريق الأولى، ثم دلَّ الدليل على أن شهادة الكافر على المسلم غير مقبولة، فبقيت شهادة الكافر على الكافر على حالها.

وهذا الجواب على التعقب في غير محله؛ لأن التعقب هو باعتبار ما يقوله أبو حنيفة لا باعتبار استدلاله، وخصّ جماعة القبول بأهل الكتاب، وبالوصية، وبفقد المسلم حينئذٍ، ومنهم ابن عباس (٥)، وأبو موسى الأشعري (٥)، وسعيد بن المسيب، وشريح (٥)، وابن سيرين (٦)، والأوزاعي (٥)، والثوري، وأبو عبيد، وأحمد، وأخذوا بظاهر الآية.


(١) سورة المائدة، الآية: (١٠٧).
(٢) في "الفتح" (٥/ ٤١٢).
(٣) سورة المائدة، الآية: (١٠٦).
(٤) مختصر اختلاف العلماء للطحاوي (٣/ ٣٣٩ - ٣٤٠).
(٥) حكاه عنهم ابن قدامة في المغني (١٤/ ١٧١).
(٦) حكاه عنه ابن قدامة في المغني (١٤/ ١٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>