للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وفي بعض ألفاظ حديث ثعلبة: "فإن من ورائكم أيامًا الصبر فيهنّ كالقبض على الجمر، أجر العامل فيهنّ أجر خمسين رجلًا، فقال بعض الصحابة: منا يا رسول الله أو منهم؟ فقال: "بل منكم" فتقرّر بما ذكرناه عدم صحة ما جمع به الجمهور.

وقال النووي (١) في حديث: "أمتي كالمطر" (٢)، أنَّهُ يشتبه على الذين يرون عيسى ويدركون زمانه، وما فيه من الخير، أيّ: الزمانين أفضل.

قال: وهذا الاشتباه مندفع بصريح قوله : "خير القرون قرني" (٣)، ولا يخفى ما في هذا من التعسف الظاهر.

والذي أوقعه فيه عدم ذكر فاعل (يدري) فحمله على هذا وغفل عن التشبيه بالمطر المفيد لوقوع التردّد في الخيرية من كل أحد.

والذي يستفاد من مجموع الأحاديث: أن للصحابة مزية لا يشاركهم فيها من بعدهم وهي صحبته ومشاهدته والجهاد بين يديه وإنفاذ أوامره ونواهيه، ولمن بعدهم مزية لا يشاركهم الصحابة فيها وهي إيمانهم بالغيب في زمان لا يرون فيه الذات الشريفة التي جمعت من المحاسن ما يقود بزمام كل مشاهد إلى الإيمان إلا من حقت عليه الشقاوة.

وأما باعتبار الأعمال فأعمال الصحابة فاضلة مطلقًا من غير تقييد بحالة مخصوصة كما يدلّ عليه: "لو أنفق أحدكم مثل أُحد" (٤) الحديث، إلا أن هذه المزية هي للسابقين منهم، فإن النبيّ خاطب بهذه المقالة جماعة من الصحابة الذين تأخر إسلامهم كما يشعر بذلك السبب، وفيه قصة مذكورة في كتب الحديث، فالذين قال لهم النبيّ : "لو أنفق أحدكم مثل أُحد ذهبًا" هم جماعة من الصحابة الذين تأخرت صحبتهم، فكان بين منزلة أول الصحابة وآخرهم أن إنفاق مثل أُحد ذهبًا من متأخريهم لا يبلغ مثل إنفاق نصف مدّ من متقدميهم.


(١) في "فتاوى الإمام النووي" (ص ١٤٩ رقم المسألة ٣٢٦).
(٢) تقدم آنفًا.
(٣) تقدم برقم (٣٩٢٥) من كتابنا هذا.
(٤) تقدم آنفًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>