للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأما أعمال من بعد الصحابة فلم يرد ما يدلّ على كونها أفضل على الإطلاق، إنما ورد ذلك مقيدًا بأيام الفتنة وغربة الدين حتى كان أجر الواحد يعدل أجر خمسين رجلًا من الصحابة فيكون هذا مخصصًا لعموم ما ورد في أعمال الصحابة؛ فأعمال الصحابة فاضلة وأعمال من بعدهم مفضولة إلا في مثل تلك الحالة، ومثل حالة من أدرك المسيح إن صحّ ذلك المرسل، وبانضمام أفضلية الأعمال إلى مزية الصحبة يكونون خير القرون ويكون قوله: "لا يدرى خير أوله أم آخره" (١) باعتبار أن في المتأخرين من يكون بتلك المثابة من كون أجر خمسين هذا باعتبار أجور الأعمال، وأما باعتبار غيرها فلكل طائفة مزية كما تقدم ذكره.

لكن مزية الصحابة فاضلة مطلقًا باعتبار مجموع القرن لحديث: "خير القرون قرني" (٢)، فإذا اعتبرت كل قرن قرن ووازنت بين مجموع القرن الأوّل مثلًا، ثم الثاني ثم كذلك إلى انقراض العالم، فالصحابة خير القرون، ولا ينافي هذا تفضيل الواحد من أهل قرن أو الجماعة على الواحد أو الجماعة من أهل قرن آخر.

فإن قلت: ظاهر الحديث المتقدم أن أبا عبيدة قال: "يا رسول الله أحد خير منا، أسلمنا معك وجاهدنا معك؟ فقال: "قوم يكونون من بعدكم يؤمنون بي ولم يروني"" (٣)، يقتضي تفضيل مجموع قرن هؤلاء على مجموع قرن الصحابة.

قلت: ليس في هذا الحديث ما يفيد تفضيل المجموع على المجموع وإن سلم ذلك وجب المصير إلى الترجيح لتعذر الجمع، ولا شك أن حديث: "خير القرون قرني" (٢)، أرجح من هذا الحديث بمسافات لو لم يكن إلا كونه في الصحيحين، وكونه ثابتًا من طرق، وكونه متلقى بالقبول، فظهر بهذا وجه الفرق بين المزيتين من غير نظر إلى الأعمال، كما ظهر وجه الجمع باعتبار الأعمال على ما تقدم تقريره فلم يبق ههنا إشكال، والله أعلم.

قوله: (لا يخلونّ رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان)، سبب ذلك أن الرجل يرغب إلى المرأة لما جبل عليه من الميل إليها لما ركب فيه من شهوة النكاح،


(١) تقدم آنفًا.
(٢) تقدم قريبًا.
(٣) تقدم قريبًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>