للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اشتد على ذاك؛ لأن القاضي أحيانًا يرى من المصلحة أن يستخدم الحزم في موضعه.

وهذا أمر مطلوب، وقد كان رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - ينهر بعض الناس، حتى إنه في خطبه - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سمع أمرًا يصس الإسلام احمرت عيناه وعلا صوته، كأنه منذر جيش، يقول: "صبحكم ومساكم" (١)، وكان رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - يغضب إذا انتهكت حرمة من حرمات اللّه (٢).

ولا ننسى أن من الناس من يكون من ألد الخصماء، كما جاء في القرآن، ولذلك جاء في الحديث الصحيح: "أبغض الرجال إلى اللّه الألد الخصم" (٣)، والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: "هلك المتنطعون" (٤)، فإن من الناس من يتنطع في كلامه، ومن الناس من يكون صاحب خصومة وشقاق ومخالفة، وينبغي مهما كان خلقه أن يتأدب في مجلس القاضي، ولكن الكلام هنا عن القاضي، فإنه يسوي بينهما في كل أمر، بحيث لا يشعر أحدهما أن القاضي قد مال مع الآخر، ولذلك - كما مر - جمهور العلماء على أنه لا يقضي بما يتهم فيه، لا يقضي لوالده، ولا يقضي لابنه؛ لأنه كأنه قضى لنفسه.


(١) أخرجه مسلم (٨٦٧) عن جابر بن عبد الله، قال: "كان رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه، حتى كأنه منذر جيش يقول: "صبحكم ومساكم"، ويقول: "بعثت أنا والساعة كهاتين"، ويقرن بين إصبعيه؛ السبابة والوسطى، ويقول: "أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة"، ثم يقول: "أنا أولى بكل مؤمن من نفسه؛ من ترك مالًا فلأهله، ومن ترك دينًا أو ضياعًا فإليّ وعليّ".
(٢) أخرجه البخاري (٣٥٦٠)، ومسلم (٢٣٢٧) عن عائشة - رضي الله عنها -، أنها قالت: "ما خيّر رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - بين أمرين إِلَّا أخذ أيسرهما، ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - لنفسه إِلَّا أن تنتهك حرمة الله، فينتقم لله بها".
(٣) أخرجه البخاري (٤٥٢٣)، ومسلم (٢٦٦٨).
(٤) أخرجه مسلم (٢٦٧٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>