عندما جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو جالس مع أصحابه، فسأله عن الإسلام، فقال:"الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وأن تصوم رمضان، وأن تحج البيت إن استطعت إليه سبيلًا". ثم سأله عن الإيمان، فقال:"أن تؤمن باللّه وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وأن تؤمن بالقدر خيره وشره". ثم سأله عن الإحسان، فقال:"أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك"(١).
وما أعظم هذه الدرجة درجة الإحسان! وما أعلاها من منزلة! فلا منزلة تفوق منزلة الإحسان. قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (١٢٨)} [النحل: ١٢٨].
وقال تبارك وتعالى:{وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}[البقرة: ١٩٥].
لأن الإنسان إذا بلغ هذه الدرجة وعبد الله تعالى كأنه يرى الله تعالى، فإنه حينئذٍ تستقيم لديه الأمور، فإذا كان يرى عظيمًا من المخلوقين، ويتهيب له، فكيف إذا استشعر أنه يرى ربه. في هذه الحياة الدنيا لا يرى الإنسان ربه، ولكن هذا حديث جاء ليبين ذلك، لكن في الآخرة قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنكم سترون ربكم كما ترون القمر في ليلة البدر
(١) أخرجه البخاري (٥٠)، ومسلم (٩) عن أبي هريرة، قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - بارزًا يومًا للناس، فأتاه جبريل فقال: "ما الإيمان؟ " قال: "الإيمان أن تؤمن باللِّه، وملائكته، وكتبه، وبلقائه، ورسله وتؤمن بالبعث". قال: "ما الإسلام؟ " قال: "الإسلام: أن تعبد الله، ولا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة، وتؤدي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان". قال: "ما الإحسان؟ " قال: "أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك". قال: "متى الساعة؛" قال: "ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، وسأخبرك عن أشراطها: إذا ولدت الأمة رَبَّها، وإذا تطاول رعاة الإبل البهم في البنيان، في خمس لا يعلمهن إلا الله". ثم تلا النبي - صلى الله عليه وسلم -: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} [لقمان: ٣٤] الآية، ثم أدبر فقال: "ردوه". فلم يروا شيئًا، فقال: "هذا جبريل جاء يعلم الناس دينهم".