للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمعنى: أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول الكلمات القليلة التي تحمل المعاني العظيمة.

ولا ننسى أن الصحابة -رضي اللَّه عنهم- تربوا في مدرسته، ونهلوا من علمه وأخذوا من مشكاته -صلى اللَّه عليه وسلم-، فتأثروا به سلوكًا ومنهجًا وسيرة واقتداءً واقتباسًا؛ ولذلك أرشد وأوصى عبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنه- أن يقتدى بأصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "مَن كان مستنًّا فليستنَّ بمن قد مات" (١).

وقد سميت هذه التحيات بجميع ألفاظها التي وردت بالتشهد لذكر الشهادتين فيها، ومعلوم أن نواة الدين الشهادتان، وقد جاء ذكرهما في كل من تشهد عمر، وتشهد عبد اللَّه بن عباس، وتشهد عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه تعالى عنهم أجمعين.

وكل هذه الأمور -التحيات والزاكيات والطيبات- إنما هي تصب في هذا المقام لأجل شهادة أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدًا رسول اللَّه؛ فقد أنزلت الكتب وأرسلت الرسل ورفعت راية الجهاد لأجلها، ولأجلها أيضًا قام العدل وقام الميزان يوم القيامة، قال اللَّه تعالى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا} [آل عمران: ٣٠].

وفي حديث البطاقة أو أعمال الإنسان أنها توضع في الميزان، وأنه يؤتى بهذه الكلمة فترجح بها، قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ سَيُخَلِّصُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي عَلَى رُؤُوسِ الخَلَائِقِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَيَنْشُرُ عَلَيْهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجِلًّا كُلُّ سِجِلٍّ مِثْلُ مَدِّ البَصَرِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا؟ أَظَلَمَكَ كَتَبَتِي الحَافِظُونَ؟ فَيَقُولُ: لَا يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: أَفَلَكَ عُذْرٌ؟ فَيَقُولُ: لَا يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: بَلَى إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَةً، فَإِنَّهُ لَا ظُلْمَ عَلَيْكَ اليَوْمَ، فَتَخْرُجُ بِطَاقَةٌ


= وأخرج مسلم (٥٢٣)، عن أبي هريرة، أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "فضلت على الأنبياء بست: أعطيت جوامع الكلم. . . " الحديث.
(١) أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (١/ ٣٠٥). وضعفه الألباني في "مشكاة المصابيح" (١٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>