للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اشتهر حديث المسيء أنه اقتصر على الواجبات، وبعضهم يقول على الأركان، واقتصاره هذا دليل على أنَّ ما ذُكر فيه واجب؛ فكأنه يرد على الحنفية ومَن معهم؛ لأنهم كثيرًا ما استدلوا به على عدم الوجوب، لأنه لم يُذكر فيه؛ فها نحن في هذه المسألة وجدنا أمرًا قد ذُكر في حديث المسيء، ألا وهو الاطمئنان الذي جاء نصًّا عن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-، فكأنهم بذلك ناقضوا الأصل الذي أسسوه ووضعوا عليه قاعدتهم (١).

فعدم أخذهم بوجوب أو بفرضية الاطمئنان في الصلاة دليل على التَّناقض، وهذا هو ما يُشير إليه المؤلف.

فالمؤلف يعني بأن كثيرًا من أفعال الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- في الصلاة هل هي واجبة أو ليست بواجبة، وكما هو معلوم أن الفقهاء أحيانًا يطلقون الواجب ويعممونه، وقد يعنون به الركن، كما جاء هنا؛ لأن الاطمئنان في الركوع والسجود ركن عند الشافعية (٢) والحنابلة (٣)، ومعلوم أنَّ


(١) وذهب الحنفية -عدا أبي يوسف- إلى أن الطمأنينة واجبة وليست بفرض ويسمونها "تعديل الأركان" وهي سنة في تخريج الجرجاني، والصحيح الوجوب، وهو تخريج الكرخي. يُنظر: "الدر المختار" للحصكفي وحاشية أبن عابدين (رد المحتار) (١/ ٤٦٤) حيث قال: "فافهم (قوله وتعديل الأركان) هو سنة عندهما في تخريج الجرجاني، وفي تخريج الكرخي، واجب حتى تجب سجدتا السهو بتركه كذا في الهداية وجزم بالثاني في الكنز والوقاية والملتقى، وهو مقتضى الأدلة. . . (قوله وكذا في الرفع منهما) أي يجب التعديل أيضًا في القومة من الركوع والجلسة بين السجدتين، وتضمن كلامه وجوب نفس القومة والجلسة أيضًا لأنه يلزم من وجوب التعديل فيهما. . . والحاصل أن الأصح رواية ودراية وجوب تعديل الأركان، وأما القومة والجلسة وتعديلهما فالمشهور في المذهب السنية، وروي وجوبها وهو الموافق للأدلة وعليه الكمال ومن بعده من المتأخرين".
(٢) يُنظر: "مغني المحتاج" للشربيني (١/ ٣٦٥) حيث قال: "ويشترط في صحة الركوع أن يكون (بطمأنينة) لحديث المسيء صلاته المتقدم، وأقلها أن تستقر أعضاؤه راكعًا (بحيث ينفصل رفعه) من ركوعه". وانظر "المجموع شرح المهذب" للنووي (٣/ ٤٠٨ - ٤٠٩).
(٣) يُنظر: "كشاف القناع" للبهوتي (١/ ٣٨٧) حيث قال: " (و) التاسع (الطمأنينة في هذه الأفعال) أي في الركوع والاعتدال عنه والسجود والجلوس بين السجدتين لما سبق =

<<  <  ج: ص:  >  >>