للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى الناسِ كافة" (١)، ومبعثه إلى الناس كافة مصداق قول اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا} [النساء: ٧٩]، وقوله: {قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [الأعراف: ١٥٨]؛ فمحمد بن عبد اللَّه قد أرسله اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إلى الناس كافة، بل أرسله تعالى إلى الثقلين: الإنس والجن، {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ} [الأحقاف: ٢٩]، الآيات.

إذن؛ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- هو خاتِم الرسل، وشريعته خاتِمة الشرائع؛ فلا نبي بعده -عليه الصلاة والسلام-، وشريعته هي أعظم الشرائع، وأجلها، وأشملها، وهي باقية إلى أن يرث اللَّه الأرض ومن عليها.

وكانت شرائع الأنبياء السابقين خاصة بأممهم؛ أما شريعة النبي -عليه الصلاة والسلام- فهي لعموم الناس جميعًا وباقية ليوم القيامة ولن يبطل العمل بها، حتى عيسى ابن مريم عَلِيْهِ السلام إذا نزل في آخر الزمان فإنه سيحكم بهذه الشريعة (٢) التي نجد مع الأسف أن كثيرًا من أهلها قد انصرفوا عنها، واستبدلوها بقوانين من وضع البشر، وضعوها من تلقاء أفكارهم السقيمة، وأنفسهم الضعيفة يتخللها الخطأ، ويعتريها النقص والضعف، وتفشو فيه الرذائل والقبائح.

أما هذه الشريعة التي أنزلها اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى العليم بخلقه، العليم بما يُصلح شؤونهم، وما تستقيم به أمورهم {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٤)} [الملك: ١٤]، هذه الشريعة التي لو وقف المسلمون في كل مكانٍ عندها لَعادت إليهم العِزة، والسعادة، وَلَعاد لهم مجدُهم الذي كان لهم زمن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وفي زمن القرون المُفضَّلة.

قال المصنف رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى:


(١) أخرجه البخاري (٣٣٥)، ومسلم (٥٢١).
(٢) كأن الشارح يُشير إلى الحديث الذي أخرجه البخاري (٢٢٢٢)، ومسلم (١٥٥) عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- يقول: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "والذي نفسي بيده، ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكمًا مقسطًا، فيكسر الصليب، وبقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد".

<<  <  ج: ص:  >  >>