هذه المسائل التي سيعرضها المؤلف رَحِمَهُ اللَّهُ مهمة جدًّا.
فاللَّه عزَّ وجلَّ في كتابه العزيز تولى قسمة المواريث؛ فجُلُّ مسائل تقسيم التركات إنما جاءت في كتاب اللَّه عزَّ وجلَّ، ومن يقرأ سورة النساء الكبرى يجد ذلك مفصلًّا فيها. كذلك نجد أيضًا أن اللَّه عزَّ وجلَّ حدَّد الذين تُصرف فيهم الزكاة؛ أي: الذين يُعطون الزكاة، وتُسلَّم لهم؛ أي: الذين يحق لهم أن يأخذوا من الزكاة، وذلك في قول اللَّه عزَّ وجلَّ:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا}[التوبة: ٦٠]. وسيأتي بيان من هم هؤلاء. ثم قال تعالى:{وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ}[التوبة: ٦٠]. فهل هم من المسلمين فقط، أو يدخل في ذلك أيضًا غير المسلمين؟ وهل لا يزال هذا الحكم قائمًا بعد زمن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ أو أنه لما قويت شوكة المسلمين، وقامت دولتهم على ساقَيها واشتد عودها أصبح لا حاجة لأن يُعطى المؤلفة؟
وبعبارة أخرى: هل هذا حكمٌ ثابتٌ أنزله اللَّه عزَّ وجلَّ في كتابه، ومات رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ولم يُنسخ ولم يُبدّل؛ فيبقى؟ أو أنهم لا يُعطَوْن؟
ثم قال تعالى:{وَفِي الرِّقَابِ}. فهل هم المكاتَبون؟ أو أن الآية تشمل غيرهم؟ ثم قال تعالى:{وَالْغَارِمِينَ}. والغارم: هو من يغرَم دَيْنًا؛ ليُصلِح ذات البَيْنِ. ولا تخفى أهمية الصلح ومكانته في هذه الشريعة الإسلامية، ومع أن الكذب -كما نعلم- من الكبائر، إلا أنه من المواضع الثلاثة التي يجوز أن يكذب فيه المرء هي عندما يريد أن يُصلح بين متخاصمَين. ثم قال تعالى:{وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ}. وهم: الغزاة. ثم قال تعالى:{وَابْنِ السَّبِيلِ}. وهو المسافر الذي هو بحاجةٍ إلى المال.
ولا شك أن هذه القسمة عادلة؛ وذلك لأن اللَّه عزَّ وجلَّ مدبِّر هذا الكون، ويعلم السر وأخفى، ويعلم خائنة الأعين.
فكان هو عزَّ وجلَّ الذي قسّم هذه الصدقات، وهو عزَّ وجلَّ الذي بيّن من تجب لهم الصدقات، فلا يجوز لأحدٍ أن يغير أو أن يبدل في حكم اللَّه عزَّ وجلَّ، فلا يُقبل في ذلك حكم بشرٍ مهما كان؛ لأن هذا حكم اللَّه؛ وقد قال اللَّه عزَّ وجلَّ:{وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}[المائدة: ٥٠].