للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ ابْتِدَاؤُهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ، مِثْلَ لُبْسٍ الثِّيَابِ وَقَتْلِ الصَّيْدِ، لَا يَجُوزُ لَهُ اسْتِصْحَابُهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ (١)، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الطِّيبُ كَذَلِكَ).

بينما استدل الفريق الأول القائل بالكراهه بدليل عقلي وهو: "أن كل ما لا يجوز للمحرم ابتداؤه وهو محرم، مثل لبس الثياب، وقتل الصيد؛ لا يجوز له استصحابه وهو محرم فكذلك الطيب لا يجوز ابتداؤه، ولا استصحابه".

الرد على ذلك: أنَّ الطيب ليس كما ذكرتم؛ وإنما يجوز له استصحابه؛ لأن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- قد استصحبه، واللَّه تعالى يقول: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: ٢٢] وكان يرى يبس الطيب ولمعانه في مفرق رأس رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، إذ كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يفرق رأسه (٢).

* قوله: (فَسَبَبُ الْخِلَافِ: تَعَارُضُ الْآثَارِ فِي هَذَا الْحُكْمِ).

في الحقيقة ليس هناك تعارض: لأنَّ قصة الرجل السائل الذي تضمخ ثيابه في الطيب؛ إنما كان هذا بعد إحرامه، أما ما ثبت عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فكان قبل الإحرام فلا تعارض بينهما، ونحن نقول: لا يجوز للمحرم أن يتطيب بعد دخوله في النسك، كما كان ذلك في الرجل السائل الذي تضمخ ثيابه وهو محرم فأمره الرسول بغسل الثوب ونزعه، أما إذا كان الطيب قبل إحرامه وبقي أثره؛ كما ثبت ذلك عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فلا حرج في ذلك كما ثبت ذلك عن السيدة عائشة، وبذلك يسقط ما ظاهره التعارض في الآثار.


(١) لم أقف عليه.
(٢) أخرجه البخاري (٣٥٥٨)، ومسلم (٦١٣٢)، عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أنَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يسدل شعره، وكان المشركون يفرقون رؤوسهم، وكان أهل الكتاب يسدلون رؤوسهم، وكان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء، ثم فرق رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- رأسه.

<<  <  ج: ص:  >  >>