للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (٩)} [ق: ٩]

ولهَذَا، ورَد في أحاديث عِدَّة فضل بذل الماء، وإعطائه للمحتاجِ إليه، وتقديمه له، وقصَّة المرأة التي سقت كلبًا، فكان ذلك سببًا في أنْ غَفَر الله -سبحانه وتعالى - لها قصة البغي، ودخلت الجنة (١).

وإذَا كان في بذل الماء ثواب عظيم، وفضلٌ جزيل، فإنَّ في منعه عن المحتاج إليه ومَنْ في مسيس الحاجة إليه عقابًا شديدًا ولعنًا كبيرًا، ولذلك ورد في الحديث الصحيح الذي أخْرَجه البخاري وغيره من حديث أبي هُرَيرة أنَّ الرَّسُولَ - عليه الصلاة والسلام - قال: "ثلاثةٌ لا يَنْظر الله إليهم يوم القيامة، ولا يُزكَّيهم، ولهم عذابٌ أليم"، ثم قال: "رَجُلٌ كَانَ لَهُ فَضْلُ مَاءٍ بِالطَّرِيقِ، فَمَنَعَهُ مِنَ ابْنِ السَّبيلِ" (٢)، زاد عنده الماء، ولم يكن في حَاجةٍ مَاسَّة إليه، ولا بضرورةٍ؛ لأنَّه لو كان كذلك لقدَّم نفسه على غيره؛ لأنه أَوْلَى عملًا بالقاعدة المعروفة، وهذا مما استثني منه "الضَّرُورَات تبيح المحظورات" (٣)، فإذا كان الإنسان محتاجًا، فهو أَوْلَى من غيره، وليس لغيره أن يُكْرهه على أن يأخذه، لكن هذا رجلٌ عنده فضلُ ماءٍ زائد عن حاجته، ومع ذلك منعه ابنَ السَّبيل، فَكان جزاؤه أن عد من الثلاثة الذين لا ينظر الله إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذابٌ أليم، وبهذا نتبين أهمية الماء وفضله وشدة الحاجة إليه.


(١) أخرجه البخاري (٣٤٦٧) ومسلم (٢٢٤٥) عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بينما كلب يطيف بركيَّة قد كاد يقتله العطش، إذ رأته بغيٌّ من بغايا بني إسرائيل، فنزعت مُوقَها، فاستقت له به، فسقته إياه، فغفر لها به".
(٢) أخرجه البخاري (٢٣٥٨)، ومسلم (١٠٨)، بلفظ: "رجل على فضل ماء بالفلاة يمنعه من ابن السبيل".
(٣) يُنظر: "المنثور في القواعد الفقهية" لابن بهادر الزركشي (٢/ ٣١٧) حيث قال: "الضرورات تبيح المحظورات، ومن ثَمَّ أُبيحَت الميتة عند المخمصة، وإساغة اللقمة بالخمر لمَنْ غص، ولم يجد غيرها، وأبيحت كلمة الكفر للمكره، وكذلك إتلاف المال، وكذلك أخذ مال الممتنع من الدين بغير إذنه إذا كان من جنسه، ولو كان بكسر بابه".

<<  <  ج: ص:  >  >>