للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أفواجًا، فهذا ما يريده المؤمنون -كعادتهم-؛ أن يكثر المسلمون، ويزيد عددهم.

فإن استجاب الأعداء للدعوة؛ فإن المسلمين يقبلون منهم في هذه الحالة الإسلام، ويكفُّوا عنهم.

أما إن لم يستجب الأعداء للدعوة: فإنه حينئذ ينتقل المسلمون إلى طلب الفدية منهم.

وهناك نوع اختلف فيه العلماء: هل تأخذ منهم الجزية، أم لا؟ (١).

فإن أجابوا بدفع الجزية: قُبِل منهم، وكُفَّ عنهم؛ لأن الإسلام لم يأتِ للتسلُّط على الناس؛ إنما هو دين يسري (٢) إلى القلوب.

فلو أن الإسلام نقل إلى الناس غضًّا (٣)؛ كما أُنزل على رسول اللَّه محمد بن عبد اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكما هو في كتاب اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ-، ولو أن المؤمنين طبقوا الإسلام غاية التطبيق في أنفسهم؛ فكانوا قدوة لغيرهم؛ لوجدنا الناس يسارعون إلى الدخول في دين اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ-!

ونعلم قصة عمر -رضي اللَّه عنه-: عندما جاء ذلكم الرجل الغريب يسأل عنه؟ فوجده نائمًا تحت شجرة متوسِّدًا ظلها في الطريق! فقال: هذا هو عمر -رضي اللَّه عنه- خيرة المؤمنين؟! (٤).


(١) سيأتي في الكلام عن الجزية.
(٢) سري -بالكسر- يسري سروًا فيهما. وسرو يسرو سراوة؛ أي: صار سريًّا. انظر: "الصحاح" للجوهري (٦/ ٢٣٧٥).
(٣) الغض والغضيض: الطري. انظر: "العين" للخليل (٤/ ٣٤١).
(٤) ذكر هذه القصة ابن حمدون في "التذكرة الحمدونية" (٣/ ١٨٨) قال: "لما جيء بالهرمزان ملك خوزستان أسيرًا إلى عمر، لم يزل الموكِّل به يقتفي أثر عمر حتى عثر عليه في المسجد نائمًا متوسِّدًا درّته. فلما رآه الهرمزان قال: هذا هو الملك، عدلت فأمنت فنمت؛ واللَّه إني قد خدمت أربعة من ملوك الأكاسرة أصحاب التيجان فما هبت أحدًا منهم هيبتي لصاحب هذه الدرّة". وانظر: "نهاية الأرب" للنويري (٦/ ٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>