للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِذْ كَانَ هَذَا أَيْضًا شَأْنَ الاسْتِثْنَاءِ المُنْقَطِعِ فِي كَلَامِ العَرَبِ، فَمَنْ قَالَ: إِنَّهُ مُتَّصِلٌ قَالَ: الذَّكَاةُ تَعْمَلُ فِي هَذِهِ الأَصْنَافِ الخَمْسَةِ).

المنقطع لا صلة له بما مضى، فكونه متصلًا، أي: متصل الحكم بما تقدم، أي: ما قبله متصل بما بعده.

* قوله: (وَأَمَّا مَنْ قَالَ: الاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ، فَإِنَّهُ قَالَ: لَا تَعْمَلُ الذَّكَاةُ فِيهَا، وَقَدِ احْتَجَّ مَنْ قَالَ: إِنَّ الاسْتثْنَاءَ مُتَّصِلٌ بِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّ الذَّكَاةَ تَعْمَلُ فِي المَرْجُوِّ مِنْهَا، قَالَ: فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الاسْتِثْنَاءَ لَهُ تَأْثِيرٌ فِيهَا، فَهُوَ مُتَّصِلٌ. وَقَدِ احْتَجَّ أَيْضًا مَنْ رَأَى أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ بِأَنَّ التَّحْرِيمَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِأَعْيَانِ هَذِهِ الأَصْنَافِ الخَمْسَةِ وَهِيَ حَيَّةٌ، وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا بَعْدَ المَوْتِ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَالاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ، وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: ٣] إِنَّمَا هُوَ لَحْمُ المَيْتَةِ).

هذا التعليل ضعيف؛ لأن "الميتة" لا تُذكَّى كما هو معلوم، وما بعدها "الدم" لا يدخل في قوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ}، فَهَذه كلُّها غير داخلة، وإنَّما الكلامُ عن تلكم الأُمُور التي تطرَّق إليها سببٌ من الأسباب، وَعَيبٌ من العُيُوب، هَل تَنْفع فيها الذكاة أم لا؟ لو رجعتم مثلًا إلى كتاب القرطبي (١) عندما يناقش هذه المسألة، وهو مالكيٌّ، تجد أنه يرد على المالكية ويقول: "سبحان الله! كيف نقول بأن هذه لا تنفع فيها الذكاة، ولا تعمل، وأنتم تجيزون المريض مرضًا شديدًا"، يَعْني: هو نفسه يرد على مذهبه، ويبطل حجته، وهذا هو شأن الفقيه المنصف.


(١) يُنظر: "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (٦/ ٥٠) حيث قال: "قوله تعالى: {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} نصب على الاستثناء المتصل عند الجمهور من العلماء والفقهاء، وهو راجع على كل ما أدرك ذكاته من المذكورات، وفيه حياة، فإن الذكاة عاملة فيه؛ لأنَّ حق الاستثناء أن يكون مصروفًا إلى ما تقدم من الكلام، ولا يجعل منقطعًا إلا بدليلٍ يجب التسليم له".

<<  <  ج: ص:  >  >>