للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَيْسَ شَيْئًا أَكْثَرَ مِنْ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، لَا لِأَنَّهُ وَحْشِيٌّ فَقَطْ، فَإِذَا وُجِدَ هَذَا الْمَعْنَى مِنَ الْإِنْسِيِّ جَازَ أَنْ تَكُونَ ذَكَاتُهُ ذَكَاةَ الْوَحْشِيِّ).

أنا وضحت لكم ذلك بصفة أقرب وأيسر وأكثر لو أنَّ حيوانًا وحشيًّا استأنس فإننا نعامله معاملة الحيوان الإنسي ذبحًا أو نحرًا، ولو أن حيوانًا، إذن يلزم من ذلك أنه لو توحش حيوان إنسي، نعامله معاملة الوحشي، فنحن ننقض هذا القياس بقياسٍ آخر.

* قوله: (فيَتَّفِقُ الْقِيَاسُ وَالسَّمَاعُ).

ولذلك قال بعض العلماء المحققين: إنه لا يمكن أن نجد قياسًا صحيحًا صريحًا معارضًا لنصٍّ صحيحٍ (١)، الأقيسة الصحيحة دائمًا تلتقي مع النصوص ولا تعارضها، لأنَّ القياس الصحيح ينبغي أن يكونَ موافقًا للفطرة السليمةِ، وللعقول السلمية، إذن هو لا يتعارض مع النصوص؛ لأن الذي جاءت عن طريقه هذه النصوص إنما هو علام الغيوب، قال تعالى: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٤)} [الملك: ١٤] فليست هذه الشريعة قوانين من أفكار البشر، من زُبَدِ أفكارهم، يضعون هذه الأصول يومًا ثم يُغَيِّرُون ويبدلون، وهناك عوامل كثيرة قد تكون سببًا في الزيادة أو الحذف أو التغيير أو التبديل، لكنْ هذه شريعةٌ خالدٌ، والله سبحانه وتعالى قال في غيرها: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٥٠)} [المائدة: ٥٠].

قال المصنف رحمه الله تعالى:


(١) يُنظر: "درء تعارض العقل والنقل" لابن تيمية (٧/ ٣٤٢)، حيث قال: "ولا يجوز أن يتناقض قياس صحيح ونص صحيح، كما لا يتناقض معقول صريح ومنقول صحيح، بل إذا ظن بعض الناس تعارض النص والقياس، كان أحد الأمرين لازمًا: إما أن القياس فاسد، وإما أن النص لا دلالة له". وقال في "مجموع الفتاوى" (١٩/ ٢٨٨) قال: "ولا يوجد نص يخالف قياسَّا صحيحًا، كما لا يوجد معقول صريح مخالف للمنقول الصحيح".

<<  <  ج: ص:  >  >>