عَنْهُ الشَّارعُ مِنَ الأَحْكَامِ فَقَالَ الجُمْهُورُ: إِنَّ طَرِيقَ الوُقُوفِ عَلَيْهِ هُوَ القِيَاسُ.
وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ: القِيَاسُ فِي الشَّرْعِ بَاطِلٌ، وَمَا سَكَتَ عَنْهُ الشَّارعُ فَلَا حُكْمَ لَهُ وَدَلِيلُ العَقْلِ يَشْهَدُ بِثُبُوتِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الوَقَائِعَ بَيْنَ أَشْخَاصِ الأَنَاسِيِّ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ، وَالنُّصُوصَ، وَالأَفْعَالَ وَالإِقْرَارَاتِ مُتَنَاهِيَةٌ، وَمُحَالٌ أَنْ يُقَابَلَ مَا لَا يَتَنَاهَى بِمَا يَتَنَاهَى.
وَأَصْنَافُ الأَلْفَاظِ الَّتِي تُتَلَقَّى مِنْهَا الأَحْكَامُ مِنَ السَّمْعِ أَرْبَعَةٌ: ثَلَاثَةٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا، وَرَابعٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ. أَمَّا الثَّلَاثَةُ المُتَّفَقُ عَلَيْهَا: فَلَفْظٌ عَامّ يُحْمَلُ عَلَى عُمُومِهِ، أَوْ خَاصّ يُحْمَلُ عَلَى خُصُوصِهِ، أَوْ لَفْظٌ عَامّ يُرَادُ بِهِ الخُصوصُ، أَوْ لَفْظ خَاصّ يُرَادُ بِهِ العُمُومُ، وَفِي هَذَا يَدْخُلُ التَّنْبِيهُ بِالأَعْلَى عَلَى الأَدْنَى، وَبِالأَدْنَى عَلَى الأَعْلَى، وَبِالمُسَاوِي عَلَى المُسَاوِي؛ فَمِثَالُ الأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [المائدة: ٣].
فَإِنَّ المُسْلِمِينَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ لَفْظَ الخِنْزِيرِ مُتَنَاوِلٌ لِجَمِيعِ أَصْنَافِ الخَنَازِيرِ مَا لَمْ يَكُنْ يُقَالُ عَلَيْهِ الاسْمُ بِالاشْتِرَاكِ، مِثْلَ خِنْزِيرِ المَاءِ.
وَمِثَالُ العَامِّ يُرَادُ بِهِ الخَاصُّ: قَوْله تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: ١٠٣]؛ فَإِنَّ المُسْلِمِينَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنْ لَيْسَتِ الزَّكَاةُ وَاجِبَةً فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ المَالِ.
وَمِثَالُ الخَاصِّ يُرَادُ بِهِ العَامُّ: قَوْله تَعَالَى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: ٢٣]، وَهُوَ مِنْ بَابِ التَّنْبِيهِ بِالأَدْنَى إِلَى الأَعْلَى، فَإِنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ هَذَا تَحْرِيمُ الضَّرْبِ وَالشَّتْمِ وَمَا فَوْقَ ذَلِكَ، وَهَذِهِ إِمَّا أَنْ يَأتِيَ المُسْتَدْعَى بِهَا فِعْلُهُ بِصِيغَةِ الأَمْرِ، وإمَّا أَنْ يَأتِيَ بِصِيغَةِ الخَبَرِ يُرَادُ بِهِ الأَمْرُ، وَكَذَلِكَ المُسْتَدْعَى تَرْكُهُ، إِمَّا أَنْ يَأتِيَ بِصِيغَةِ النَّهْيِ، وَإِمَّا أَنْ يَأتِيَ بِصِيغَةِ الخَبَرِ يُرَادُ بِهِ النَّهْيُ، وَإذَا أَتَتْ هَذِهِ الأَلْفَاظُ بِهَذِهِ الصِّيَغِ، فَهَلْ يُحْمَلُ اسْتِدْعَاءُ الفِعْلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute