للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بأيديهم إلى شاطئ الخير والسلام، فلو أمسكت شابًا فأخذت تؤثر فيه، تُبيِّن له الحق، لا شك أن دورك هذا الطيب إنما سينفذ إلى قلبه، ويستولي عليه، لكن لو تكلمت معه بشدة وبغلظة لنَفَّرْته ومن ذلك، والله تعالى يقول عن نبيه: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: ١٥٩].

وفي قصة الرجل الذي بال في المسجد فيقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "دعوه لا تزرموه (١) "ثم يأمر بذنوب (٢) من ماء فيصبه عليه (٣).

وفي قصة الرجل الذي يعطس في الصلاة فيقول: يرحمك الله، فيرميه القوم بأبصارهم ثم يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما انصرف الرسول - صلى الله عليه وسلم - دعاه وهو ترتعد فرائصه، فقال له: "إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي التسبيح والتكببر وقراءة القرآن"، ولذلك قال: ما رأيت معلمًا أحسن منه، فوالله ما كهرني ولا شتمني ولا ضربني (٤).

وفي قصة الرجلين الذين كانا في الحج في مسجد الخيف؛ لما صلى


(١) لا تزرموه: أي: لا تقطعوا بوله عليه. انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (١/ ٣١٠).
(٢) الذَّنوب: الدلو العظيمة، وقيل: لا تسمى ذنوبًا إلا إذا كان فيها ماء. انظر: "النهاية" لابن الأثير (٢/ ١٧١).
(٣) أخرجه البخاري (٦٠٢٥)، ومسلم (٢٨٤) عن أنس بن مالك: أن أعرابيًّا بال في المسجد، فقاموا إليه، فقال. رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تزرموه" ثم دعا بدلو من ماء فصب عليه.
(٤) أخرجه مسلم (٥٣٧) عن معاوية بن الحكم السلمي، قال: بينا أنا أصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله! فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثكل أمياه، ما شأنكم؟ تنظرون إلي، فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتونني لكني سكت، فلما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبأبي هو وأمي، ما رأيت معلمًا قبله ولا بعده أحسن تعليمًا منه، فوالله، ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني، قال: "إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن".

<<  <  ج: ص:  >  >>