فَأَتَتِ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا"، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "كيْفَ وَقَدْ قِيلَ؟ دَعْهَا عَنْكَ" (١)).
انظروا إلى هذا الرجل كيف كان حرصه، والمؤمنون بحمد الله في كل وقت وفي كل زمان يحرصون على ما يتعلق بأمور دينهم، ودائمًا المؤمن التقي النقي الورع يحرص على أن تكون أعماله على وَفق الكتاب والسُّنة، وهؤلاء هم الذين وصفهم الله تعالى بأنهم {الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا}[الأنفال: ٤].
قول المؤلف: "وهو أشبه" فهذا غير مُسلَّم؛ لأن الرجل جاء قد قطع المسافات، وفي بعض الروايات: "أنه جاء من مكة، وأنه قد امتطى راحلته، وقد جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متأثِّرًا، ولا يمكن في قضية مثل هذه أن يوجد زوجان ثم بعد ذلك يُفرَّق بينهما، فليس ذلك أمرًا سهلًا، وقد يكون في ذلك أيضًا بعض الأولاد؛ فليس الأمر بهذه السهولة أن يقال بأنه ندب، فالرجل حرص وحاول أن يقول: لعلها كاذبة، يريد أن يجد منفذًا ومخرجًا من هذا الموقف الشديد الحرج الذي وقع فيه؛ لكن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال له:"كيف وقد قيل؟ كيف وقد زعمت أنها أرضعتكما؟ خلِّ سبيلها". أي: اتركها، فالأمر واضح جدًّا. وقد حصل التفريق في زمن عثمان - رضي الله عنه -، فتناقل ذلك السلف، وهذا قد يحضل، إنما الخطأ أن يَقدُم الإنسان على أمرٍ من هذه الأمور وهو يعلم ذلك. أما لو قُدِّر أن الإنسان وقع في خطإ فتزوَّج فتاةً قد رضعت معه وهو لا يدري فلا إثم عليه في هذا المقام، ولا يغير أمرًا من الأمور، فالنسب بالنسبة للأولاد قائم. فربما يوجد من بعض النفوس الضعيفة مَن يحاول أن يستغلَّ مثل هذه المواقف، وربَّما يؤثر على الأولاد ونحو ذلك، لكن هذا حكم الله تعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا