قد ذكرنا فيما مضى من كتاب النكاح مدى عناية الشريعة الإسلامية بالنكاح وأن الله سبحانه وتعالى قد جعله آية من آياته، فقال تعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا}[الروم: ٢١]، وذكرنا كذلك مدى حرص الإسلام على هذه العلاقة وما فيها من مودة ورحمة، بحيث تبقى ثابتةً مستقرةً لا تنفصم عراها.
وذكرنا أن هذا البنيان الزوجي قد يطرأ عليه خللٌ يؤثِّر فيه ويهدد بقاءه، وربما بقي بنيان الزواج قائمًا على غير وجهه المحمود القائم على المودة والرحمة، ولذا كانت مشروعية الطلاق، حيثما قال اللّه تعالى:{وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ}[النساء: ١٣٠]، فإن اللّه سبحانه وتعالى أجاز للرجل أن يفارق امرأته عند حصول أسباب ذلك، وأوصاه سبحانه وتعالى أن يطلِّقها طلاقًا رجعيًّا تجنُّبًا للوقوع في الندم فيما بعد، بمعنى: أن يطلِّقها طلقة واحدة، ثمَّ بعد ذلك له مراجعتها قبل انتهاء عدتها منه، فقال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (١)} [الطلاق: ١]، وتجنُّبًا كذلك لما قد يلقيه الشيطان من العداوة بين الزوجين لينغِّص عليهما حياتهما، فإن اللّه سبحانه وتعالى قد أشار في أكثر من موضع في كتابه الكريم لعداوة الشيطان للإنسان وسعيه في غوايته، فقال تعالى:{إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا}[فاطر: ٦]، وقال تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (٥٠)} [الكهف: ٥٠].
والطلاق من هذه الأبواب التي قد ينفذ منها الشيطان للإنسان، بحيث