للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا أمرٌ لا إشكالَ فيه؛ لأنه إذا نوى إنسان الطلاق ثم أورد لفظ الطلاق الذي لا إشكالَ فيه وهو: كلمة أنت طالقٌ أو مطلقةٌ أو طلقتك، هذا أمر مجمعٌ عليه ليس فيه إشكالٌ.

قوله: (وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَقَعُ بِالنِّيَّةَ مَعَ اللَّفْظِ الَّذِي لَيْسَ بِصَرِيحٍ، أَوْ بِالنِّيَّةَ دُونَ اللَّفْظِ، أَوْ بِاللَّفْظِ دُونَ النِّيَّةَ) (١).

أولًا: الإنسان قد ينوي الطلاق بنفسه ولا ينطق به بلسانه، فهل في هذا تأثيرٌ في الطلاق أن ينوى ولا يتلفظ لا ينطق؟

هذا من باب تكليف الإنسان بما لا يستطيع، أو على الأقلِّ ما يشق عليه، والله - سبحانه وتعالى - لا يكلف نفسًا إلا وسعها، والله تعالى يقول: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: ٧٨] وقال سبحانه: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: ١٨٥].

وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث المتفق عليه: "إن الله تجاوز عن أمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم به أو تعمل" (٢)، وفي روايةٍ: "ما لم تتكلَّم به أو تعملْ به" (٣).

فما يحدِّث الإنسان به نفسه هذا غير واردٍ، أما ما نقل عن الإمام الزهري (٤) - وهو إمام وتابعي ومحدث معروف بعلمه وفضله - لكن خالفه العلماء في هذا الأمر وقبل كلام العلماء حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه يقول: "إذا عزم الإنسان على الطلاق بقلبه لم يقع".


(١) سيأتي تفصيل ذلك.
(٢) أخرجه البخاري (٥٢٦٩)، ومسلمٌ (١٢٧).
(٣) أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده (٤/ ٢٠٥)، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنَّ الله عز وجل تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تتكلَّم به أو تعمل به".
وصححه الألباني في: "صحيح الجامع" (١٧٣٠).
(٤) يُنظر: "الأوسط" لابن المنذر (٢٠١١٩) حيث قال: "وكان الزهري يقول: إذا عزم على ذلك فقد طلقت لفَظ به أو لم يلفظْ به".

<<  <  ج: ص:  >  >>