للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التخيير، فذَكَرَ الله سبحانهُ وتعالى: الإطعام ثم أتبَعَهُ بالكسوة ثم أتبَعَهُما بالعتق، بحيث لو بدأ المُكَفِّرُ بالعتق لكان ذلك مُجزِئًا له عن كفارته، ويدلُّ عليه ما جاء عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - من أنَّ كلَّ ما جاء في كتاب الله سبحانهُ وتعالى بلفظ: (أو) فإنه يكون على التخيير لا على الإلزام (١).

أما هاهنا في كفارة الظهار فإن الترتيب الوارد فيها جاء وجوبيًّا، بقوله تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ}، كما هو الحال في التيمم حين قال الله سبحانهُ وتعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا}، بحيثُ لا يجوز حينئذٍ للإنسان أن يتيمم إلا عند فَقْدِ الماء أو وجود عُذرٍ يَمنَع من استخدامه.

وأوَّل نوع من أنواع كفارة الظهار - وهو عتق الرقبة - يُشتَرَطُ فيه ألا يكون المُكَفِّرُ في حاجةٍ إلى هذه الرقبة، فقد يكون مالكًا لهذه الرقبة لكنه لا يستغني عنها، بحيثُ إن أَعْتَقَها بقي بعدها عالةً يتكفف الناس، وهذا لا ينبغي، وإنما الكفارة تكون على قدر الطاقة والسعة؛ وقد يكون واجدًا للمال ولكنه لا يجد رقبةً كي يشتريها ويعتقها، فحينئذٍ لا يُكَفِّرُ بالعتق؛ لقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}، وإنما ينتقل إلى الكفارة التي تليها وهي صيام شهرين متتابعين.

- قوله: (هَذَا فِي الحُرِّ).

فَفَرْضُ العبد إنما هو الصيام لا العتق؛ لأن العبد لا مال له ولا يملك شيئًا، ولذلك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: "من اشترى عبدًا له مالٌ فماله لسيده، إلا أن يشترطه المبتاع" (٢)، ومن هذا الباب كان كلام العلماء في مسألة ما إذا باع إنسانٌ عبدًا وكان عليه تيابٌ غالية الثمن وما إذا كانت هذه الثياب حينئذٍ تدخل في جملة المبيع أم لا بدَّ أن يشترطها المبتاع.

فالقول بعدم مِلْكِ العبد يجعل التكفير بالعتق لا يتناسب مع غير


(١) أخرجه عبد الرزاق (٤/ ٣٩٥).
(٢) أخرجه البخاري (٢٣٧٩)، ومسلم (١٥٤٣/ ٨٠) من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -.

<<  <  ج: ص:  >  >>